كثر الحديث عن نظام ولاية الفقيه في إيران، بعد الصدمة التي أحدثها خطاب آية الله خامنئي، الذي يتولي منصب ولاية الفقيه في إيران منذ سنة 1989، والذي دعم فيه انتخاب أحمدي نجاد لرئاسة ثانية لإيران. هل هذا النظام جزء لا يتجزأ من الفقه السياسي الشيعي، أم أنه اجتهاد أتي به آية الله الخميني، أول من تولي هذا المنصب في إيران سنة 1979؟ كيف يتم انتخابه، وهل يجوز عزله؟ وما هي سلطاته؟ وهل يجوز إلغاء هذا المنصب مع الإبقاء علي أسس الفكر السياسي الشيعي؟
(1)
الفكر الشيعي الأول لا يعترف بولاية الفقيه
ابتداء، فإن نظام ولاية الفقيه فكرة مستحدثة في الفقه السياسي الشيعي في القرن الرابع عشر،لم يكن ثمة إجماع بين المفكرين الشيعة، بما في ذلك الشيعة الإمامية الاثني عشرية، المذهب الرسمي لإيران فيما بعد، علي حجيتها سواء عند نشأتها أو في كل مراحل تطورها. فالفكر الشيعي كما أسسه الإمام السادس جعفر الصادق وشرحه هشام بن الحكم، والكليني، والمازنداني، يؤمن بفكرة محورية هي الإمام المعصوم المعين بالنص والوصية من الله سبحانه وتعالي ومن رسوله ومن علي بن أبي طالب. وهذا الإمام معصوم، حيث سلطته مطلقة، وطاعته واجبه، كما أنه باختفاء الإمام الثاني عشر، محمد بن الحسن العسكري، سنة 837 م بدأ عصر الغيبة، ولكن الإمام المعصوم الثاني عشر سيعود لكي يقيم العدل في الأرض. وفي غيبته علي الأمة أن تنتظر انتظارا سلبيا، بمعني أنه لا يجوز لأفراد الأمة العمل بالسياسة أو مقاومة الحكام الظالمين، لأن ذلك سيؤخر من عودة الإمام. لهذا انسحب الشيعة الاثني عشرية من العمل السياسي في عصر غيبة الإمام، لأن تلك المهمة تقع علي عاتق الله وليس علي عاتق الأمة. امتدت تلك المرحلة في الفكر الاثني عشري من عصر اختفاء الإمام الثاني عشر في القرن التاسع، وحتي القرن الرابع عشر مع ظهور فكر الجزيني. ساد فيها الاعتقاد بأن عودة الإمام الغائب ستكون تتويجا لعموم الظلم، وأن هذا الظلم لن ينجلي إلا بعودة الإمام الغائب، وبالتالي فلا دور للفقيه.
(2)
«خصوصية ولاية الفقيه»
مع طول فترة انتظار عودة الإمام الغائب، حدث تحول في الفكر السياسي الشيعي نحو مفهوم جديد أساسه أن عودة الإمام الغائب ستكون تتويجا لسلسلة من الأعمال الإيجابية التي يقوم بها المؤمنون لمقاومة الظلم، مما يستلزم دورا إيجابيا لمقاومة هذا الظلم وإقامة أحكام الدين. هذا الدور يقوم به الفقهاء نيابة عن الإمام. فالفقهاء هم الذين يحملون تبعات الإمامة عن الإمام الغائب ويمهدون الطريق لظهوره من خلال إقامة العدل في الأرض، وأن عودة الإمام ستكون تتويجا لعموم العدل، وليس الظلم، كما كان الاعتقاد السابق. هكذا بدأت مرحلة ثانية من تطور الفكر السياسي الشيعي الاثني عشري، امتدت من القرن الرابع عشر حتي أوائل القرن العشرين.
ومع طول غيبة الإمام، بدأ الفكر الشيعي في التساؤل عما إذا كان ثمة من يشغل الفراغ الذي نتج عن الغيبة بشكل مؤقت بحيث يقوم ببعض وظائف الإمام. وقد أدي ذلك التساؤل إلي انقسام الفكر الشيعي إلي تيارين، أولهما إخباري، والثاني أصولي. تألف التيار الأول ممن أطلق عليهم اسم «الإخباريين»، وهم الذين اعتبروا أن الفقه هو ما صدر عن الأئمة فقط، وأن دور الفقهاء هو «الإخبار» بما قاله الإمام، وليس تقديم أي اجتهاد فقهي. فمثل هذا الاجتهاد يعد انتهاكا لحقوق الأئمة. وبالتالي، فليس لأحد، بمن في ذلك الفقهاء، أن ينوب عن الأئمة في اختصاصاتهم. من ثم يظل الوضع الراهن قائما إلي حين عودة الإمام، مع ضرورة تخليص الفقه من شوائب الاجتهاد العقلي والي الالتزام بالفقه الذي يقصر الإمامة علي الأئمة المعصومين، أي أن يكون الفقيه مجرد مخبر لأحاديث الرسول والأئمة المعصومين. يلاحظ أن هذا التيار ظهر تاليا لظهور تيار ولاية الفقيه. وكان أهم من مثله الميرزا محمد أمين الاسترابادي، والشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي.
أما التيار الثاني، وهو التيار الأصولي، فقد رأي أنه في غيبة الإمام يحل الفقيه محله. بيد أن دور الفقيه ينبغي أن يقتصر علي المسائل الدينية ورعاية أحوال الأتباع من خلال الفتوي والقضاء وإقامة الشعائر، ومباشرة الأوقاف، دون الدخول في معترك السياسة اللهم إلا في حدود التأكد من مطابقة القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية للشريعة الإسلامية. يقول أنصار هذا التيار أذن بوجود دور للفقيه في غيبة الإمام، ولكن هذا الدور دور محدود بالأمور الدينية والاجتماعية، وهو ما سمي «بخصوص ولاية الفقيه». تبلور هذا التيار بوضوح مع ظهور فكر محمد بن مكي العاملي الجزيني المعروف بالشهيد الأول،(1333-1384)، والذي رأي أنه في غيبة الإمام المعصوم، فإن الفقيه ينوب عنه نيابة عامة ومطلقة في جمع الشئون الدينية والاجتماعية، ويتحصل ذلك في القيام بمهام القضاء، وإقامة الحدود، وصلاة الجمعة. قال الجزيني: إن كل فقيه اجتمعت فيه أوصاف معلومة هو نائب عام عن الإمام، سماه «نائب الغيبة»، مع الإشارة إلي أن كلمة «عام» هي وصف للنائب، وليس للنيابة، تمييزا له عن النائب «الخاص» الذي كان الإمام الثاني عشر يتصل به لرعاية المؤمنين في البلاد البعيدة. قال الجزيني: إن «النائب العام» له صلاحيات قضائية وحسبية، ويجب أن يدفع له الخمس، وكان الجزيني أول من أمر بالعمل بالخمس. ويري البعض أن هذا هو سبب اعتقاله ثم إعدامه، لأنه بذلك كان يؤسس لمرجعية وسلطة موازية للخلافة. ولكنه لم يشر إلي دور سياسي للفقيه، وكان يعتقد بحرمة إقامة الحكومة الإسلامية وعدم جوازها إلا للإمام المعصوم.
(3)
البدايات الأولي للحديث عن الدور السياسي للفقيه
لم يبدأ الفكر الشيعي في الحديث عن الدور السياسي للفقيه إلا مع تأسيس الدولة الصفوية سنة 1500، حيث استعانت تلك الدولة بالفقهاء من جبل عامل لنشر المذهب الشيعي الإمامي، ومنهم نور الدين علي بن الحسن الملقب بالعاملي الكركي (1466-1534)، المحقق الثاني. وكان تأسيس الدولة الصفوية بمثابة خروج علي النظرية التقليدية للإمامة، إذ أدت إلي تطور انقلابي في الفكر الشيعي الاثني عشري. فالدولة الصفوية نقلت الشيعة من مرحلة الانتظار السلبي إلي مرحلة تأسيس الدولة. وقد قال الشاه إسماعيل الصفوي، مؤسس الدولة، إنه قد أخذ إجازة من «صاحب الزمان، المهدي المنتظر» (الإمام الثاني عشر)، بالثورة والخروج علي أمراء التركمان الذين كانوا يحكمون فارس، وأكد أنه شاهد الإمام علي بن أبي طالب وأنه حثه علي إعلان الدولة. واعتبر الشاه إسماعيل نفسه «نائب الله، وخليفة الرسول والأئمة الاثني عشر» تأسيسا علي الحق الإلهي للملوك الإيرانيين قبل الإسلام، وعلي وراثة هذا الحق نتيجة زواج جده الحسين بن علي ببنت يزدجرد فأنجبت منه الإمام زين العابدين، وبالتالي اجتمع الحقان، حق الملوك الإيرانيين، ونيابة الإمام المهدي.
أتي الكركي إلي إيران من جبل عامل في لبنان. وهناك طور نظرية النيابة العامة للفقهاء متأثرا بقيام الدولة الصفوية. وأجاز للفقهاء في حالة الغيبة إقامة الحدود، والقضاء، وصلاة الجمعة. وبالتالي حصر النيابة العامة للفقهاء دون الشاه إسماعيل الصفوي. ولكن بعد وفاة الشاه وتولي ابنه طهماسب الحكم، أعلن الكركي أنه هو نائب الإمام وأعطي للشاه طهماسب إجازة لحكم البلاد. وهكذا قبل الفكر الشيعي الاثني عشري فكرة إقامة الدولة في عصر الغيبة، وهو الأمر الذي كان مرفوضا في عصر الإمام جعفر الصادق.
وفي عهد الدولة القاجارية التي حلت محل الدولة الصفوية، قام الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفي سنة 1812 بمنح السلاطين القاجار إجازة للحكم باسمه باعتباره نائبا عن الإمام، كما جعل سلطة نائب الإمام تدور حول إقامة الحدود، وتلقي الخمس. وقد كان قيام التحالف بين الكركي والشاه إسماعيل وما تلاه من تحالفات سببا أساسيا في ظهور التيار الإخباري الذي رأي أن فكرة ولاية الفقيه تمثل هدما للنظرية الشيعية التقليدية.
الخلاصة: أن الفكر السياسي الشيعي شهد علي يد التيار الأصولي تحولا جذريا تمثل في ابتداع نظرية ولاية الفقيه وإن كان قد حصر تلك الولاية في الأمور الدينية والاجتماعية، دون أن تشمل الأمور السياسية. وهو ما تبلور منذ عهد الدولة الصفوية وأكده النراقي والخميني، حيث بدأت المرحلة الثالثة من تطور الفكر السياسي الشيعي الاثني عشري، وهي مرحلة عمومية ولاية الفقيه، كما أن نظرية ولاية الفقيه عند نشأتها وفي كل مراحل تطورها.
(1)
الفكر الشيعي الأول لا يعترف بولاية الفقيه
ابتداء، فإن نظام ولاية الفقيه فكرة مستحدثة في الفقه السياسي الشيعي في القرن الرابع عشر،لم يكن ثمة إجماع بين المفكرين الشيعة، بما في ذلك الشيعة الإمامية الاثني عشرية، المذهب الرسمي لإيران فيما بعد، علي حجيتها سواء عند نشأتها أو في كل مراحل تطورها. فالفكر الشيعي كما أسسه الإمام السادس جعفر الصادق وشرحه هشام بن الحكم، والكليني، والمازنداني، يؤمن بفكرة محورية هي الإمام المعصوم المعين بالنص والوصية من الله سبحانه وتعالي ومن رسوله ومن علي بن أبي طالب. وهذا الإمام معصوم، حيث سلطته مطلقة، وطاعته واجبه، كما أنه باختفاء الإمام الثاني عشر، محمد بن الحسن العسكري، سنة 837 م بدأ عصر الغيبة، ولكن الإمام المعصوم الثاني عشر سيعود لكي يقيم العدل في الأرض. وفي غيبته علي الأمة أن تنتظر انتظارا سلبيا، بمعني أنه لا يجوز لأفراد الأمة العمل بالسياسة أو مقاومة الحكام الظالمين، لأن ذلك سيؤخر من عودة الإمام. لهذا انسحب الشيعة الاثني عشرية من العمل السياسي في عصر غيبة الإمام، لأن تلك المهمة تقع علي عاتق الله وليس علي عاتق الأمة. امتدت تلك المرحلة في الفكر الاثني عشري من عصر اختفاء الإمام الثاني عشر في القرن التاسع، وحتي القرن الرابع عشر مع ظهور فكر الجزيني. ساد فيها الاعتقاد بأن عودة الإمام الغائب ستكون تتويجا لعموم الظلم، وأن هذا الظلم لن ينجلي إلا بعودة الإمام الغائب، وبالتالي فلا دور للفقيه.
(2)
«خصوصية ولاية الفقيه»
مع طول فترة انتظار عودة الإمام الغائب، حدث تحول في الفكر السياسي الشيعي نحو مفهوم جديد أساسه أن عودة الإمام الغائب ستكون تتويجا لسلسلة من الأعمال الإيجابية التي يقوم بها المؤمنون لمقاومة الظلم، مما يستلزم دورا إيجابيا لمقاومة هذا الظلم وإقامة أحكام الدين. هذا الدور يقوم به الفقهاء نيابة عن الإمام. فالفقهاء هم الذين يحملون تبعات الإمامة عن الإمام الغائب ويمهدون الطريق لظهوره من خلال إقامة العدل في الأرض، وأن عودة الإمام ستكون تتويجا لعموم العدل، وليس الظلم، كما كان الاعتقاد السابق. هكذا بدأت مرحلة ثانية من تطور الفكر السياسي الشيعي الاثني عشري، امتدت من القرن الرابع عشر حتي أوائل القرن العشرين.
ومع طول غيبة الإمام، بدأ الفكر الشيعي في التساؤل عما إذا كان ثمة من يشغل الفراغ الذي نتج عن الغيبة بشكل مؤقت بحيث يقوم ببعض وظائف الإمام. وقد أدي ذلك التساؤل إلي انقسام الفكر الشيعي إلي تيارين، أولهما إخباري، والثاني أصولي. تألف التيار الأول ممن أطلق عليهم اسم «الإخباريين»، وهم الذين اعتبروا أن الفقه هو ما صدر عن الأئمة فقط، وأن دور الفقهاء هو «الإخبار» بما قاله الإمام، وليس تقديم أي اجتهاد فقهي. فمثل هذا الاجتهاد يعد انتهاكا لحقوق الأئمة. وبالتالي، فليس لأحد، بمن في ذلك الفقهاء، أن ينوب عن الأئمة في اختصاصاتهم. من ثم يظل الوضع الراهن قائما إلي حين عودة الإمام، مع ضرورة تخليص الفقه من شوائب الاجتهاد العقلي والي الالتزام بالفقه الذي يقصر الإمامة علي الأئمة المعصومين، أي أن يكون الفقيه مجرد مخبر لأحاديث الرسول والأئمة المعصومين. يلاحظ أن هذا التيار ظهر تاليا لظهور تيار ولاية الفقيه. وكان أهم من مثله الميرزا محمد أمين الاسترابادي، والشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي.
أما التيار الثاني، وهو التيار الأصولي، فقد رأي أنه في غيبة الإمام يحل الفقيه محله. بيد أن دور الفقيه ينبغي أن يقتصر علي المسائل الدينية ورعاية أحوال الأتباع من خلال الفتوي والقضاء وإقامة الشعائر، ومباشرة الأوقاف، دون الدخول في معترك السياسة اللهم إلا في حدود التأكد من مطابقة القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية للشريعة الإسلامية. يقول أنصار هذا التيار أذن بوجود دور للفقيه في غيبة الإمام، ولكن هذا الدور دور محدود بالأمور الدينية والاجتماعية، وهو ما سمي «بخصوص ولاية الفقيه». تبلور هذا التيار بوضوح مع ظهور فكر محمد بن مكي العاملي الجزيني المعروف بالشهيد الأول،(1333-1384)، والذي رأي أنه في غيبة الإمام المعصوم، فإن الفقيه ينوب عنه نيابة عامة ومطلقة في جمع الشئون الدينية والاجتماعية، ويتحصل ذلك في القيام بمهام القضاء، وإقامة الحدود، وصلاة الجمعة. قال الجزيني: إن كل فقيه اجتمعت فيه أوصاف معلومة هو نائب عام عن الإمام، سماه «نائب الغيبة»، مع الإشارة إلي أن كلمة «عام» هي وصف للنائب، وليس للنيابة، تمييزا له عن النائب «الخاص» الذي كان الإمام الثاني عشر يتصل به لرعاية المؤمنين في البلاد البعيدة. قال الجزيني: إن «النائب العام» له صلاحيات قضائية وحسبية، ويجب أن يدفع له الخمس، وكان الجزيني أول من أمر بالعمل بالخمس. ويري البعض أن هذا هو سبب اعتقاله ثم إعدامه، لأنه بذلك كان يؤسس لمرجعية وسلطة موازية للخلافة. ولكنه لم يشر إلي دور سياسي للفقيه، وكان يعتقد بحرمة إقامة الحكومة الإسلامية وعدم جوازها إلا للإمام المعصوم.
(3)
البدايات الأولي للحديث عن الدور السياسي للفقيه
لم يبدأ الفكر الشيعي في الحديث عن الدور السياسي للفقيه إلا مع تأسيس الدولة الصفوية سنة 1500، حيث استعانت تلك الدولة بالفقهاء من جبل عامل لنشر المذهب الشيعي الإمامي، ومنهم نور الدين علي بن الحسن الملقب بالعاملي الكركي (1466-1534)، المحقق الثاني. وكان تأسيس الدولة الصفوية بمثابة خروج علي النظرية التقليدية للإمامة، إذ أدت إلي تطور انقلابي في الفكر الشيعي الاثني عشري. فالدولة الصفوية نقلت الشيعة من مرحلة الانتظار السلبي إلي مرحلة تأسيس الدولة. وقد قال الشاه إسماعيل الصفوي، مؤسس الدولة، إنه قد أخذ إجازة من «صاحب الزمان، المهدي المنتظر» (الإمام الثاني عشر)، بالثورة والخروج علي أمراء التركمان الذين كانوا يحكمون فارس، وأكد أنه شاهد الإمام علي بن أبي طالب وأنه حثه علي إعلان الدولة. واعتبر الشاه إسماعيل نفسه «نائب الله، وخليفة الرسول والأئمة الاثني عشر» تأسيسا علي الحق الإلهي للملوك الإيرانيين قبل الإسلام، وعلي وراثة هذا الحق نتيجة زواج جده الحسين بن علي ببنت يزدجرد فأنجبت منه الإمام زين العابدين، وبالتالي اجتمع الحقان، حق الملوك الإيرانيين، ونيابة الإمام المهدي.
أتي الكركي إلي إيران من جبل عامل في لبنان. وهناك طور نظرية النيابة العامة للفقهاء متأثرا بقيام الدولة الصفوية. وأجاز للفقهاء في حالة الغيبة إقامة الحدود، والقضاء، وصلاة الجمعة. وبالتالي حصر النيابة العامة للفقهاء دون الشاه إسماعيل الصفوي. ولكن بعد وفاة الشاه وتولي ابنه طهماسب الحكم، أعلن الكركي أنه هو نائب الإمام وأعطي للشاه طهماسب إجازة لحكم البلاد. وهكذا قبل الفكر الشيعي الاثني عشري فكرة إقامة الدولة في عصر الغيبة، وهو الأمر الذي كان مرفوضا في عصر الإمام جعفر الصادق.
وفي عهد الدولة القاجارية التي حلت محل الدولة الصفوية، قام الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفي سنة 1812 بمنح السلاطين القاجار إجازة للحكم باسمه باعتباره نائبا عن الإمام، كما جعل سلطة نائب الإمام تدور حول إقامة الحدود، وتلقي الخمس. وقد كان قيام التحالف بين الكركي والشاه إسماعيل وما تلاه من تحالفات سببا أساسيا في ظهور التيار الإخباري الذي رأي أن فكرة ولاية الفقيه تمثل هدما للنظرية الشيعية التقليدية.
الخلاصة: أن الفكر السياسي الشيعي شهد علي يد التيار الأصولي تحولا جذريا تمثل في ابتداع نظرية ولاية الفقيه وإن كان قد حصر تلك الولاية في الأمور الدينية والاجتماعية، دون أن تشمل الأمور السياسية. وهو ما تبلور منذ عهد الدولة الصفوية وأكده النراقي والخميني، حيث بدأت المرحلة الثالثة من تطور الفكر السياسي الشيعي الاثني عشري، وهي مرحلة عمومية ولاية الفقيه، كما أن نظرية ولاية الفقيه عند نشأتها وفي كل مراحل تطورها.
No comments:
Post a Comment