مدونة بلاليكا سياسية - ساخرة من الفساد المتفشي في الوطن العربي

Post Top Ad

Sunday, October 29, 2017

October 29, 2017

محنة الشعب المصري والشرطة والجيش بسبب الارهاب

محنة الشعب المصري والشرطة والجيش بسبب الارهاب
يمر الوطن المصرى بمحنة كبيرة وحرب وجود واستنزاف لم يسبق له أن خاض مثيلها فى العصر الحديث لأنها حرب خفية بين شعب وعدو منه متخفى يأكل معه ويشرب معه ويعيش ومع هذا يرفع الخنجر والهاون والسكين والآر بي جى فى وجهه وظهره.. عدونا يعيش معنا ويعتقد بل ويؤمن أنه هو الأحق والأجدر والأصل بحكم هذه الأرض وهذا الشعب لذا فإن مأساة المصريين تكمن فى محنتهم وقوتهم وحضارتهم وهم قادرون على تجاوز المحنة والأزمة والكرب العظيم.. لكن علينا أن نعى مما حدث وندرك الدرس أو الدروس المستفادة:
أن ما تم وحدث فى حادث الواحات هو جزء من حرب الإرهاب والاستنزاف المادى والمعنوى لمصر ولشعبها ولمؤسساتها وأن الحرب مدبرة ومحولة من أجهزة استخباراتية خارجية ولكن بأيدٍ معظمها مصرية.
أن حجم الحدث والعملية كان أكبر من إمكانات وتدريبات جهاز الأمن المدنى المسمى الشرطة ومن ثم فإن التعاون والتنسيق بين أجهزة الدولة لم يكن على المستوى المطلوب والمستهدف وليس فى هذا تقصير فى أداء أشرف رجال مصريين ضباط وجنود وليس لقلة الامكانات المادية وانما لاختلاف طبيعة المهمة ولأن جهاز الشرطة هو فى المقام الأول معنى بالأمن الداخلى وحماية المواطن مدنيًا بينما الجيش له مهام أخرى تتعلق بالأمن الخارجى ومحاربة الأعداء بأجهزة ومهمات وتقنيات وعمليات عسكرية مختلفة تمامًا.
إن المؤسسات الإعلامية والجهات الرسمية مثل وكالة أنباء الشرق الأوسط وهيئة الاستعلامات وتليفزيون الدولة وكذلك الصحف القومية الرسمية الحكومية جميعها فشلت كليًا فى تغطية الحدث لنقص المعلومات الرسمية ولصعوبة تواجد مراسلين فى موقع الأحداث ولأن الداخلية بجهازها الإعلامى لم توفر المعلومات الصحيحة ومن ثم فتح الأبواب والقنوات والمواقع إلى الشائعات وإلى الأخبار المغلوطة والمفبركة والتى هى جزء من حرب الجيل الرابع الذى يعتمد على الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى لضرب الجبهة الداخلية والرأى العام.
إن الاعلام المصرى يعانى من أزمة كبيرة جدًا وهى المهنية والحرفية والتدريب على تلك الحرب الجديدة وان الخلط الدائم بين الرأى والمعلومة لا يصلح لمواقف أمنية خطيرة مثل تلك الحادثة وأن شبكة المراسلين ليست مدربة على الاعلام الحربى والأمنى وان هذا الفراغ المهنى والمعلوماتى قد أثر سلبًا على مصداقية الإعلام الخاص خاصة بعد الموت الإكلينيكى للإعلام الوطنى الرسمى وأن الاعلام لم يواكب الشارع والمتلقى وظل على انفصاله التام عن الحدث إلا من شاشات سوداء بين برامج الرقص والهزل والخناق والأغنيات والمسلسلات والاعلام ينعى فيها أصحاب القنوات الشعب المصرى ويترحم على شهداء الوطن ثم يعاود الرقص والهزل.. فلم نجد أى قناة قد غيرت من طريقتها وبرامجها لتكون مع الناس ومع الوطن.
دور نقابة الاعلاميين ودور المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين للإعلام والصحافة كانت بعيدًا عن كل الأحداث بل وحدث صدام تشريعى بين النقابة وصلاحياتها وبين المجلس وقوته والنتيجة لم ينجح أحد وإنما هو اختبار يؤكد أن الإعلام وتنظيمه مازال بحاجة إلى وزارة لديها قوانين وتشريعات وسلطة قادرة على محاسبة المخطئ وفق قوانين ومعايير مهنية.
إن الاعلام الغربى يلعب دورًا خطيرًا فى ضرب الروح المعنوية والجبهة الداخلية مستغلًا حالة الفراغ الإعلامي المصرى والتى تذكرنا بأحداث نكسة وهزيمة 1967 مع الفارق فى أن الاعلام المصرى لم يكن بهذا التشتت والفرقة والاختلاف.
أخيرًا إن الشعب المصرى هو البطل دومًا لأنه اصطف والتف حول جهاز الشرطة وضباطه وجنوده واستشعر الجرم الذى حدث والدماء التى سالت فلم يفرح بفوز فى ماتش كورة ولم يطلق الزغاريد لأنه شعب حضارة يعرف أن مصابه جلل وأنها حرب وأنه المستهدف وان جنوده هم ابناؤه لذا فإن الوقوف صفًا واحدًا وراء الجيش والشرطة والوطن هو السبيل للخلاص.. إنها محنة و لكنه شعب عظيم.
ولكن هناك محنة اخري يدفع ثمنها الشعب الغلبان وحدهوا وهي الغلاء بدون داعي وخاصتا غلاء الخدمات العامة ، المفروض تكون مخفضة لانه أي الشعب يدفع عنها الضرائب وتخصم من ايرادات قناة السويس وايرادات البترول والغاز وايرادات تصدير ذهب منجم السكري وغيرها .
اين يذهب هذه الايرادات يا ريس..؟؟؟؟؟
ارحم الشعب 

Saturday, October 14, 2017

October 14, 2017

أخطر تقرير عن ثورة الخميني

سنة إيران شاركوا في الثورة على الشاه فاجتثتهم ثورة الخميني

يسلط إعدام جمهورية ولاية الفقيه في إيران عشرين معارضاً سنياً، الضوء على وضع السنة في هذا البلد الذي كان قلعة من قلاع الإسلام حتى نهاية القرن العاشر الهجري، حيث عملت الدولة الصفوية على تشييع أهله، فتحول في وقت قصير إلى بلد شيعي، يدين غالبية أهله بمذهب الإمامية الاثنا عشرية.
- إعدام داعية
ذكر موقع "فريدم ماسنجر"، المهتم بمتابعة انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، أن السلطات أعدمت 20 سنياً في سجن رجائي شهر بمدينة كرج بمحافظة البرز غربي العاصمة طهران، الثلاثاء 2016/8/2، ولا يزال 17 سجيناً سنياً آخرين في انتظار مصيرهم.
وفي ظل حصار القوات الأمنية الخاصة والشرطة للسجن الذي تمت فيه عملية الإعدام قامت بنقل السجناء السنة الآخرين المحكوم عليهم بالإعدام إلى مكان مجهول، وهناك خشية من تنفيذ الإعدام بحقهم.
ومن أبرز الذين تم إعدامهم الداعية شهرام أحمدي.
"سوران بيارة"، هكذا طلب أن نسميه في التقرير، سني من كردستان إيران، عاش رحلة طويلة في سجون المخبرات الإيرانية، وعاصر أحمدي في فترة من الفترات في سجنه، يقول نقلاً عنه: "عام 2009 أطلقت الأجهزة الأمنية النار عليه وأصابته بعدة أعيرة نارية في ظهره وألقي القبض عليه، ورغم إصابته ونزفه فإن رجال الأمن انهالوا عليه بالضرب حتى كسروا أنفه، ثم أودع سجن رجائي شهر في مدينة كرج".
يضيف بيارة: "أحمدي تعرض لمعاملة قاسية في سجنه، وخضع لجلسات تعذيب ممنهجة، ووضع في زنزانة انفرادية، وفقد كليته بسبب التعذيب، ولم يسمح له بالعلاج خارج السجن، رغم وجود تقرير طبي يؤكد حاجته إلى ذلك".
في سبتمبر/أيلول 2012 حوكم أمام محكمة الثورة، وخلال خمس دقائق أصدر القاضي محمد مقيسة بحقه حكماً بالإعدام، رافضاً حضور محام للدفاع عنه في جلسة المحاكمة، وجاء الحكم مبرراً بتهمة (محاربة الله ورسوله).
من جهتها ألغت المحكمة العليا حكم الإعدام الصادر بحقه في شهر يوليو/تموز 2015، وبضغط من الحرس الثوري أعيدت محاكمته مرة أخرى في المحكمة نفسها، وأمام القاضي ذاته، ليصدر حكم الإعدام عليه مرة ثانية، وقد أبلغه محاميه أن المحكمة العليا أيدت حكم الإعدام في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وأرسلت أوراق قضيته لمحكمة تنفيذ الأحكام، التابع لمحكمة الثورة.
- تاريخ السنة في إيران
تذكر المراجع التاريخية أنّ إيران كانت دولة سنّية حتّى القرن العاشر الهجري، وفي الفترة التي كانت فيها على عقيدة أهل السنة والجماعة، قدّمت المئات بل الآلاف من الفقهاء والمحدّثين والمؤرّخين والمفسّرين والعلماء، في كلّ فنّ وعلم، ويكفي دليلاً على ذلك أنّ أصحاب الكتب الستّة كلّهم إيرانيّون أو من الثقافة الإيرانيّة، آنذاك. إلى أن تشيّعت البلد بحكم الصفويون لها، فكأنّها مُسِخت مسخاً كاملاً، وأصبحت بؤرة اصطدام، ومركز مؤامرات على الإسلام وأهله، ولذا قال فرديناند سفير ملك النمسا: "لولا الصفويّون في إيران لكنّا نقرأ القرآن اليوم كالجزائريين".
وكان ذلك سبباً في إخلاء المدن الكبرى التي كانت مراكز للعلم والفقه الإسلامي في العالم، كتبريز وأصفهان والريّ، الواقعة في جنوب طهران العاصمة وأصبحت جزءاً منها، وكان ذلك سبباً لإخلائها من أهل السنة الذين إمّا قتلوا أو استشهدوا أو تشيّعوا جبراً وإكراهاً، أو انسحبوا إلى المناطق الجبليّة التي يصعب الوصول إليها، فأصبحوا يقطنون المناطق الحدوديّة الجبليّة كبلوشستان وكردستان وحاشية إيران من أطرافها الأربعة، ليصبحوا بعد ذلك على هامش الحياة السياسيّة الإيرانيّة بسبب استمرار العداء الطائفي والقومي لهم.
يذكر أنّ أهل السنة في إيران إلى يومنا هذا كلّهم ليسوا من الفرس، ويسكنون في المناطق الحدوديّة في أطراف إيران الأربعة، حيث يسكن الأكراد في غرب إيران على الحدود العراقية والتركيّة، ويسكن التركمان في شمالي إيران على الحدود التركمانيّة، كما أنّ العرب يسكنون في حاشية الخليج العربي، ويسكن البلوش في الجنوب الشرقي لإيران على الحدود الباكستانيّة الأفغانيّة، وفي كلّ مدينة إيرانيّة عدد لا بأس به من السنّة، أي بعشرات الآلاف على أقلّ تقدير.
وأمّا عن عددهم في إيران فلا توجد إحصائيّات رسميّة، إلاّ أنّ العدد التقريبي هو بين ربع سكّانها وثلثهم.
- مساهمة السنة في الثورة الإيرانية
ينحدر أهل السنة في إيران- كما أُشير من قبل- من شعوب غير فارسيّة، ولذلك فقد كانوا في ظلّ النظام الشاهنشاهي السابق في حال لا يحسدون عليها، فكانوا مواطنين من الدرجة الثانية؛ أوّلاً بسبب بُعدهم عن المدن الكبرى والعاصمة، ثمّ بسبب اعتقادهم المخالف للفرس الشيعة، لكن النظام البهلوي كان علمانيّاً لا دينيّاً، فكان تعامله مع المذاهب والأديان على حدّ سواء أو بنفس المستوى من الاحترام، لكن قيادات السنة كانت تطمح إلى نظام إسلامي كما هو سائد في تلك الحقبة ضمن ثقافة المنطقة، ومن هذا المنطلق أسهم السنة في الثورة على نظام الشاه.
"الخليج أونلاين" تحدث إلى أحد قيادات السنة الأكراد، الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، وهو من مرافقي المرجع السني الشيخ أحمد مفتي زادة، الذي ساند ثورة الخميني على الشاه، ثم قضى ردحاً من حياته في سجون الثورة الخمينية، ليطلق سراحه ويموت بعد أيام.
يقول مصدرنا متحدثاً عن مساهمة سنة إيران في الثورة: "بسبب الظلم والجور الواقع على الأمة الإيرانية كان من الطبيعي أن يثور الشعب ضد جلاديه، وكان الخميني آنذاك رمزاً لحركة المقاومة الشعبية، وعلماء السنة ساندوا الخميني في دعوته وثورته تلك من أجل إقامة نظام إسلامي قائم على العدل والمساواة، فكان هناك بعض العلماء والمشايخ من أهل السنّة قاموا بمخالفة الشاه؛ كالشيخ أحمد مفتي زادة، وآخرون، وكان الشيخ رحمه الله على اتصال بالخميني عندما كان في النجف في جنوب العراق، وكان بينهما مراسلات ووعود خاصة بأهل السنة في حال انتصار الثورة، وعلى أساسه ساند السنة الثورة؛ وبشر مفتي زادة بالخلاص من خلالها، وقد شارك السنة في المظاهرات والثورة الشعبية التي جابت الشوارع ضد النظام البهلوي وقدموا التضحيات في سبيلها".
- السنة بعد انتصار الثورة
وتابع مصدرنا حديثه قائلاً: "عندما رجع الخميني إلى إيران منتصراً كان الشيخ أحمد مفتي زادة في مقدمة مستقبليه، وألقى الخميني خطاباً في الجماهير المحتشدة، وأعلن فيه انتهاء النظام الشاهنشاهي وإقامة الحكم الإسلامي، كان الرجل الثاني الذي خاطب الجماهير من بعده هو الشيخ مفتي زادة حيث حث الجماهير على التمسك بالنظام الإسلامي ونبذ الطائفية، وفي تلك الخطبة انطلقت شرارة النكران لدور أهل السنة حيث أسدل الستار على الشيخ زادة أثناء إلقائه خطبته ومنع من مواجهة الجماهير، وبالرغم من ذلك استمر الشيخ في مساندة الثورة، حيث كان يبشر الناس بأن النظام الإسلامي سيقيم العدل ولن يظلم في ظله فرد أو جماعة".
واستدرك: "عندما قررت الثورة إجراء استفتاء على الدستور حول ما إذا كان الشعب يريد الجمهورية الإسلامية أم لا؟ صوت السنة إلى جانب الحكم والنظام الإسلامي".
- دستور شيعي
يقول الشيخ القيادي السني الإيراني: "بدأت مرحلة وضع الدستور من قبل البرلمان المنتخب من الشعب الإيراني وشارك الشيخ أحمد مفتي زادة، وأبرز رموز أهل السنة في لجنة الصياغة إلى أن وصلوا إلى المادة (13) التي تقول: "إن دين الدولة الرسمي الإسلام والشيعة الاثنا عشرية"، فحاول الشيخ زادة بكل جهده أن يقنع (آية الله) البهشتي وخامنئي وغيرهما بالعدول عن هذه الفقرة حفاظاً على وحدة المسلمين، لأن الدستور في هذه الحالة يحصر الإسلام في مذهب الاثنا عشرية، لكن محاولاته لم تلق آذاناً صاغية، فتوجه إلى مسجد "حسينية إرشاد"، وألقى فيها كلمة بين فيها أن البعض يستهترون بدماء آلاف الشهداء، ويدخلون البلاد في دائرة ضيقة من المذهبية المفرقة للصفوف، فكتبت صحف الثورة في صباح اليوم التالي بأن أحمد مفتي زادة أصبح من أعداء الثورة لأنه تكلم ضد دستور البلاد".
وحول هذه النقطة ينقل الشيخ عبد الرحيم البلوشي، وهو أبرز معارض سني إيراني، ما دار بين مفتي زادة والخميني في بيته فيقول: "كنت حاضراً لما اعترض مفتي زادة رحمه اللـه على الخميني في بيته بقم قائلاً له: "يا خميني، أنت وعدتني بجمهوريّة إسلاميّة، لكنّك أتيت بجمهوريّة شيعيّة صفويّة، وإن كانت عقيدتي لا تسمح لي أن أرفع السلاح في وجهك، لكنّي سوف أحاربك سياسيّاً"، فهدّده الخميني قائلاً له: "سوف تلجأ إلى الجبال التي ذهب إليها غيرك" (في إشارة إلى الشيخ عزّ الدين الحسيني الصوفيّ الذي تعاون مع الشيوعيين وذهب إلى الجبال)، فأجابه أحمد مفتي زادة الذي كان يعتصر ألماً لدعمه إيّاه قبل الثورة ونشره نشراته وخطبه بين الشعب الكردي السنّي، أجاب الخميني بقوله: "سوف أبقى في البلد".
- تشكيل مجلس الشورى المركزي لأهل السنة (شمس)
مصدرنا استرسل في الحديث قائلاً: "في سبيل توحيد صفوف أهل السنة قرر الشيخ زادة وإخوانه تشكيل مجلس شورى لأهل السنة عرف اختصاراً بالشمس تخفيفاً لعبارة (الشورى المركزي للسنّة)، فأرسل رسائل إلى وسائل الإعلام في كافة المناطق للحضور إلى طهران في المكان والزمان المحددين، وأعلم الحكومة بالمؤتمر، فحضر مندوبان من وزارة الداخلية؛ كل ذلك لكي لا يقال إن هناك مؤامرة ضد الثورة، فعقد المجلس أعماله على مدى يومين كاملين شرح خلاله الشيخ جهوده الإصلاحية في كلمة استغرقت أربع ساعات"، مضيفاً: "انتخب المجلس هيئة رئاسية من علماء السنة يرأسها الشيخ زادة، وكان من أعضائها العالم الكردي الشهير الشهيد ناصر سبحاني، الذي أعدمه النظام فيما بعد، ثم رفع المشاركون بياناً إلى الحكومة طالبوا فيه بتعديل الدستور والاهتمام بمناطق أهل السنة، واعتبار مذهبهم مذهباً معتبراً، ثم انصرف المجلس على أن ينعقد بعد ستة أشهر فاجتمعوا ثانية وقدموا مطالبهم للحكومة مجدداً، ولكن دون جدوى، فقرر المجلس عقد مؤتمر موسع للسنة في إيران يضم (400) من علماء السنة والمهتمين بقضاياهم، وبالفعل عقد المؤتمر الموسع، حيث انتقد الشيخ أحمد مفتي زادة الثورة الإيرانية كما انتقد علي خامنئي، وهذا الأمر لم يرق لأجهزة المخابرات ولرموز النظام، فشنت حملة اعتقالات شملت الشيخ أحمد مفتي زادة الذي أودع في زنزانة انفرادية لا تتوافر فيها أدنى المتطلبات الإنسانية، وهو ما أدى إلى إصابته بأمراض خطيرة، وبالرغم من ظروف اعتقاله الصعبة ظل صامداً قوي الهمة، فكان يوجه أتباعه بكتابة أبيات الشعر التي تحثهم على الاهتمام بأمور الأمة، وملازمة التقوى والزهد في الدنيا".
ويختم الشيخ الذي رافق زادة إلى وفاته حديثه بالقول: "بقي في السجن عشر سنوات كان يعاني فيها من مختلف الأمراض، ولما تيقن النظام الإيراني من قرب نهايته أطلق سراحه ليموت بعد ذلك بعدة أسابيع، وصفه من يعرفوه بعد خروجه من السجن بأنه عبارة عن هيكل عظمي".
وهكذا طويت صفحة مجاهد من أهل السنة ساند الثورة الإيرانية، ولتفتح بعد ذلك صفحة جديدة من المعاناة التي ذهب ضحيتها أعداد غفيرة من علماء السنة الذين تم إعدامهم بتهمة التآمر على الثورة، وإلى يومنا هذا تمارس السلطات الإيرانية أبشع صور التنكيل بحق السنة، ويكاد لا ينتهي عام دون أن يعلن عن إعدام جموع غفيرة من الشباب السني، لا تخلو من علماء ودعاة.
October 14, 2017

كواليس أكتوبر في عيون السادات.. مذكرات الرئيس تكشف أسرار الحرب.. أمريكا دعمت إسرائيل بـ"القنبلة التليفزيونية" ..والاتحاد السوفيتي كان خنجرًا في ظهر مصر

كواليس أكتوبر في عيون السادات.. مذكرات الرئيس تكشف أسرار الحرب.. أمريكا دعمت إسرائيل بـ"القنبلة التليفزيونية" ..والاتحاد السوفيتي كان خنجرًا في ظهر مصر
كواليس أكتوبر في
اشرف هيكل

دماء تسيل، شهداء تتساقط، علم يُرفع، صوت تكبير يعلو، مشاهد حزن تمتزج بالفرح عاشها المصريون في 6 أكتوبر، هذا التاريخ الذي خلد لمصر الانتصار بدموع فرح، وكتب الهزيمة في سجلات إسرائيل.

ملحمة قام بها الجنود المصريون بقيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بثت السعادة في روح كل الشعب المصري، ولم تقتصر الحرب على تلك المشاهد التي رأيناها في أي تجسيد لها، فقد أحاطت بالحرب كواليس وأسرار علمتها القيادة فقط، وكان الشخص الأنسب لكشفها السادات.

ورصدت "الدستور" من مذكرات الرئيس الراحل "البحث عن الذات" خبايا حرب أكتوبر وأسرارها.

"خطة حرب أكتوبر"
"بدأت الإعداد للمعركة" تلك الكلمات التي بدأ بها الرئيس الراحل حديثه عن حرب أكتوبر، وكشف في مذكراته كيف تم التخطيط لها، قائلًا "اتخذت قرار بطرد الخبراء السوفيت، وفسر العالم بما فيه مصر طردي لهم على إنه قرار بعدم الحرب، ثم استدعيت وزير الحربية وأبلغته أن يجتمع بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة ويخطره بأنني قررت أن تكن القوات المسلحة جاهزة للقتال بدءًا من 15 نوفمبر 1972، وكان من المفترض أن يقدم لي وزير الحربية تقريرًا عن الخطة خاصة أنه عاد لي بعد يومين وقال أنه أبلغ المجلس برسالتي وأن القوات ستكون جاهزة في أول نوفمبر".

واستكمل "السادات" في سطوره التالية، "دعوت المجلس يوم 28 أكتوبر 1972، وطلبت أن يدلي القادة بتقاريرهم عن استعداد القوات، وحينها ذكرت القادة برسالتي، ففوجئت بالجنرال المسئول عن الشئون الإدارية للقوات المسلحة يسألني ما هي رسالتي لهم، وتأكدت حينها أن وزير الحربية لا يريد حرب، فبدأت في سؤال قادة الجيوش، فقال لي قائد الجيش الثالث عبد المنعم واصل، "إننا مكشوفين، وأي حشد هنعمله اليهوده هتكشفه، لانهم عاملين ساتر ترابي ارتفاعه 17 متر، جنب القناة وإحنا تحت المستوى 3 متر"، وكان ما سمعته يعني انهيار الخطة الدفاعية 200 التي استلمتها من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

انهيت الاجتماع وقررت تغيير وزير الحربية الذي كذب علي، وعينت أحمد إسماعيل الذي كان مديرًا للمخابرات في ذلك الوقت، قائد عام للقوات المسلحة، وطلبت منه تصحيح الخطة 200 وإعادتها إلى ما كانت عليه، ورغم ذلك إلا أنني لم استطع النوم ليلة واحدة بعد اجتماعي بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة في أكتوبر 1973، واستمر حالي في هواجس وقلق حتى جاءني الجنرال أحمد إسماعيل في 30 نوفمبر ليبلغني أن الخطة الدفاعية أصبحت كاملة وأنه بصدد إعداد تجهيزات الهجوم، وفي أوائل يناير 1973، كان قد وضع الهيكل الأساسي للخطة.

"مواقف دول العالم"
يحكي الرئيس الراحل عن موقف أمريكا من حرب مصر وإسرائيل، فيقول "ألتقى حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي بهنري كسينجر وزير خارجية أمريكا في باريس في فبراير 1973، وكان ملخص ما قاله أن أمريكا لا تستطيع مساندتنا، لاننا مهزومون وإسرائيل متفوقة، وكنت أقول دائمًا لم يكن من الممكن لأمريكا أو لغيرها من القوى أن تتحرك ما لم نتحرك نحن عسكريًا.

أما على المستوى العربي، كشف السادات في مذكراته، عن محاولات تهيئة الدولة للحرب على إسرائيل قائلًا، "كانت علاقتي برؤساء كل الدول العربية جيدة، وفي اجتماع لمجلس الأمن فاجأت الجميع بطرح مصر قضية الشرق الأوسط واستمرت المناقشات شهرين وتم اتخاذ أول قرار في صفنا بأغلبية 14 صوت باستنثاء صوت أمريكا، وفي سبتمبر 73 حضرت مؤتمر دول عدم الانحياز في الجزائر وقلت في خطابي إنه لا مفر من المعركة، فإسرائيل هي التي تريد لنا هذا، وبذلك هيأت دول عدم الانحياز للمعركة وكانت الأغلبية في صفي، وبهذا الشكل كان أكثر من مائة دولة معي قبل المعركة بثلاثة أسابيع".

وفي إبريل 1973 جاء الرئيس السوري حافظ الاسد في زيارة سرية لمصر، وكان الفريق الجمسي وقتها مدير العمليات بالقوات المسلحة فأحضر لنا المذكرة التي دون فيها المواعيد المناسبة للعمليات الحربية على مدار السنة، وكانت أما مايو أو أغسطس أو أكتوبر، وكان أكتوبر الأنسب، وتم تكوين مجلس أعلى مشترك للقوات المسلحة المصرية السورية، واتفقنا أن تكون المعركة يوم 6 أكتوبر.

وفي 3 أكتوبر استدعيت السفير الروسي وقلت له أريد أن أبلغك رسميًا أنني أنا وسوريا قررنا بدء العمليات العسكرية ضد إسرائيل، ولدي سؤال أريد الإجابة عليه من القادة السوفييت بصفة عاجلة وهو ما موقف الاتحاد السوفيتي مننا؟"، وفي اليوم التالي طلب السفير السوفيتي موعدًا عاجلًا معي فتصورت أنه جاءني بالرد على سؤالي، استقبلته فكان أول ما قاله هو "معي رسالة عاجلة من القيادة السوفيتية، إنهم في موسكو يطلبون موافقتك على وصول أربع طائرات ضخمة لحمل العائلات السوفيتية من مصر"، وهذه العائلات السوفيتية هي عائلات مدنيين السوفييت الذين يعملون في المصانع والقطاع المدني.

قلت في نفسي ما هذا الفأل السيء، هذا معناه أنهم يقولون لي مقدمًا أن معركتك فاشلة، ونحن نخاف على أرواح رعايانا فماذا عن المصريين أهل البلد؟، ألا يعلمون أنني أخاف عليهم؟، فكان هذا التصرف يدل على عدم الثقة فينا، وأسوأ من هذا أن سفينة سوفيتية كانت في طريقها إلينا تحمل بعض الإمدادات، وكان لدينا إخطار من السوفييت بموعد قيامها وأنها ستدخل الإسكندرية يوم 9 رمضان، ولكن صدرت إليها الأوامر وهي في عرض البحر أن تتجول في البحر الأبيض، وفعلًا تجولت حوالي ستة أيام إلى أن تأكدوا من انتصارنا فرست في الإسكندرية، ولما سألناهم عن أسباب التأخير قالوا إن السفينة قد تاهت في البحر.

"خدع الحرب"
وقد لجأ السادات إلى عدة حيل لخداع إسرائيل، وروى الرئيس ذلك في مذكراته قائلًا "لم أكن أنوي أن أدخل المعركة في مايو 1973 ، ولكن كجزء من الخداع الاستراتيجي قمت بحملة في الصحف عندى وفي الدفاع الشعبي، فما كان من الإسرائيلين إلا إن صدقوا، وفي الأيام المناسبة للحرب حشدوا جيوشهم بينما كنت أنا في حالة استرخاء تام، وفي أغسطس من نفس العام فعلت نفس الشيء وكان رد الفعل في إسرائيل هو نفس ما صنعوه في مايو، فأعلنوا التعبئة، لذلك عندما سُئل موشي ديان بعد حرب أكتوبر لماذا لم يعلن التعبئة في أكتوبر قال "إن السادات قد دفعني إلى هذا مرتين مما كلفنى في كل مرة عشرة ملايين دولار دون جدوى، فلما جاءت المرة الثالثة ظننت أنه غير جاد مثلما حدث في المرتين السابقتين لكنه خيب ظني".

أم الخطة الأخرى عنما كنت في زيارة وزير خارجية دولة أجنبية، فقلت له وكنا في سبتمبر 73 بلغ رئيس جمهوريتك بينك وبينه ما يطلعش السر ده بره، إني سأذهب إلى الأمم المتحدة في أكتوبر القادم، بس مش عاوز أعلن هذا"، وكنت أعلم أن هذا الخبر بعد ثوان سوف يصل إلى إسرائيل، وقد حدث وبناء عليه فهمت إسرائيل إنى غير مقدم على الحرب.

"بدء المعركة"
"بدأ العد التنازلي"..وصف السادات اقتراب موعد الحرب بهذا التعبير، كاشفًا عن كواليس هذه الأيام، "خرجت القطع البحرية قبل المعركة لتتخذ أماكنها في الحرب قبل ساعة الصفر بعشرة أيام، وفي الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر السبت 6 أكتوبر حضر المشير أحمد إسماعيل وتوجهنا إلى غرفة العمليات، وفي الساعة الثانية تمامًا وصل الخبر بأن طائرتنا قد عبرت قناة السويس، وكانت 222 طائرة نفاثة انتهت من ضربتها الأولى في ثلث ساعة فقدنا فيها 5 طائرات فقط، وفقدت في تلك اللحظات الأولى من الحرب أخى الطيار الشهيد عاطف ولكنهم أخفوا علي نبأ استشهاده".

ونجحت حركة الطيران نجاحَا كاملا، وبعد 20 دقيقة فقط كانت طائرتنا قد ضربت مراكز القيادة ومراكز إدارة الطيران ومراكز إدارة الدفاع الجوي، وبعد ضربة الطيران بدأت المدفعية المصرية تزمجر بأكبر تركيز شهده العالم، ذ انطلقت قذائف المدافع، وهكذا بدأت ملحمة 6 أكتوبر.

كان في الخطة أن ضربة الطيران تليها ضربة المدفعية، وتحت ستار ضرب المدفعية يتم العبور، ولكن الذي حدث أن العبور تم أثناء عملية الطيران وقبل أن تبدأ المدفعية، وبعد العبور دخل جنودنا على الحاجز الترابي الذي كان في بعض مواقعه يبلغ ارتفاعه 17 مترًا، واستخدموا في تسلقه عمليات بدائية أذهلت العالم، عبارة عن سلم من الحبال يحمله الجندي ثم يتسلق الحاجز الترابي، وعندما يبلغ القمة يطرح السلم لأخوانه فيتسلقونه وهم يحملون الأسلحة المضادة للدبابات من صورايخ ومدفعية ثقيلة، وبسرعة يستولون على المواقع التي أعدها الإسرائيليون خلف الساتر الترابي على الضفة الشرقية، ليتربصوا فيها بالعدو ويستروا زملاءهم الذين يعبرون.

ورفع العلم على الضفة الشرقية، وبدأ سقوط النقاط الحصينة في خط بارليف الواحدة بعد الآخرى، وفي نهاية ست ساعات كان قد اتضح تمامًا أن اليهود قد فقدوا توازنهم وفقدوا السيطرة، أي فقدوا الاتصال بينها وبين القوات، وبعد عبور القوات الحاملة للصواريخ والمدفعية بدأ المهندسون في تطبيق نظرية شق الحاجز الترابي بخراطيم المياه المكثفة، ومن قوة المياه قطع الساتر الرملي وفتحت الثغرات وركبت فيها الكباري وعبرت الدبابات.

"كذب الاتحاد السوفيتي"
بعد بداية المعركة أبلغوني أن السفير السوفيتي وكنت أظنه يحمل رد القيادة السوفيتية على سؤالي بما موقفه من الحرب، ولكن خاب ظني فقد جاء ليقول لي إن الرئيس حافظ الأسد استدعى السفير السوفيتي وطلب من الاتحاد السوفيتي العمل على وقف إطلاق النار بعد 48 ساعة على الأكثر من بدء العمليات، ولكنني أخبرته أنه حتى وإن كان هذا مطلب الأسد فأنني لن أوقف إطلاق النار إلا بعد الانتهاء من الاهداف الأساسية المحددة لمعركتي، وسألته عن إجابة سؤالي بما هو موقف الاتحاد السوفيتي ليرد أن الموضوع محل دراسة.

وبعد مغادرته أرسلت برقية شفرية للرئيس الأسد بما قاله السفير وردي عليه، وجاءني الرد في 7 أكتوبر أي بعد 24 ساعة بأن هذا الذي يدعيه الاتحاد السوفيتي لم يحدث، وفوجئت بالسفير السوفيتي يطلب مقابلة عاجلة معي، قابلته وقلت له "من نصف ساعة فقط تلقيت الرد من الأسد وهو أن ما أبلغته لي رسميًا أمس كرسالة رسمية من القادة السوفيت لم يحدث"، فأبيض وجه السفير وقال "أنا جاي لك برسالة ثانية من الحكومة السوفيتية بناء على طلب سوريا للمرة الثانية بوقف إطلاق النار"، فقلت له "أرجو أن تغلق هذا الموضوع وتعتبره انتهى عند هذا الحد، فأنتم تعلمون إنني لن أوقف إطلاق النار"، وعلى الرغم من ذلك لم يكف السفير السوفيتي عن الإلحاح على وقف إطلاق النار منذ ذلك الوقت.

"الثغرة" 
16 أكتوبر.. ذلك التاريخ الذي أضعف مصر بعض الشيء في المعركة، وروى السادات ما حدث في مذكراته قائلًا "أرسلت رئيس الأركان سعد الشاذلي للتعامل مع الثغرة، وكان من السهل جدًا التعامل معها في ذلك اليوم، وكان السابق فيها للزمن، ولو إنه نفذ ما طلبته منه في التوقيت الذي حددته له لأحاط شاطئ البحيرة المرة بسد يسجنهم داخلها، ويوقفهم في مكانهم، وكان من السهل القضاء عليهم، وكان من الممكن أن ينتهي من العملية كلها بعد وصوله بساعات، لكنه أضاع الليلة بأكملها في جمع المعلومات، وإنشاء قيادة له ينافس بها قيادة غريمه إسماعيل، وكانت قوات الدفرسوار قد تقدمت ووصلت فعلًا إلى نقطة النزول، لكن الشاذلي أعطاهم الأمر بالانسحاب، إلى أن يجمع المعلومات، وكانت النتيجة أن توسع اليهود في الثغرة.

وفي يوم 19 أكتوبر عاد الشاذلي منهار وقال لابد أن نسحب قواتنا في شرق القناة، لان الغرب مهدد، لكني أعطيت الأمر بعدم انسحاب أي جندي، وأعطيت تعليماتي في هذه الليلة بعزل الشاذلي من رئاسة الأركان على ألا يعلن القرار على القوات، وعينت الجمسي رئيسًا للأركان، وفي هذه الليلة اتحذت قرار بوقف إطلاق النار، فقد ظللت 10 أيام أحارب فيها أمريكا وحدي، بأسلحتها الحديثة التي لم تستخدم من قبل، فكانت أمريكا وإسرائيل في وجهي والاتحاد السوفيتي يحمل في يده خنجرًا في ظهري، على الرغم من اعتقاد العالم أن الاتحاد السوفيتي يساعدنا.

"تدخل أمريكا"
"أرفض مواجهة أمريكا".. تلك الكلمات التي جاءت في مذكرات الرئيس، حينما أشار إلى تدخل أمريكا في الحرب، وروي ما حدث قائلًا "بعد اليوم الثالث تأكد انتصارنا، ففي هذه الأيام الثلاثة فقدت إسرائيل أكثر من ثلث سلاح طيرانها على الجبهتين المصرية والسورية، وعلى الرغم من ذلك كان ينشر الإعلام الإسرائيلي أنهم يطحنون عظام المصريين، وسايرتهم إذاعات العالم، وفي اليوم الرابع أفاق كسينجر على نداء إسرائيل ومطالبتها بدبابات وتقرير البنتاجون الذي قال أن المعركة تسير في غير صالح إسرائيل، وبكاء ديان على الجبهة المصرية أمام جميع مراسلي الصحف العالمية وانهياره، حاول كسينجر منذ ذلك الوقت التدخل لوقف إطلاق النار مع السوفيت، ولكنني رفضت.

اتضح لي بعد أن القمر الصناعي الأمريكي الذي كان يوصل المعلومات لإسرائيل ساعة بعد ساعة أخطرهم بنقل الفرقة 21 المدرعة المصرية من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية لمحاولة تخفيف الضغط على سوريا كما طلب الأسد، وأن البنتاجون نصح الإسرائيلين بمحاولة عمل الثغرة لإنقاذ الموقف الإسرائيلي المنهار، وتم استخدام الكوبري الدولي الأمريكي لنجدة إسرائيل، واستخدموا مطار العريش لنزول الطائرات الأمريكية التي تحمل الدبابات وكل الأسلحة الحديثة، وكنت كلما أصبت لإسرائيل عشرة دبابات أرى مزيدًا من الدبابات.

وأطلقت إسرائيل صاروخان على بطاريتين مصريتين للصواريخ فعطلا البطاريتين تعطيلًا كاملًا، وعرفت بعد ذلك أنه صاروخ أمريكي جديد يسمى القنبلة التليفزيونية تم تطويره في اليابان لحساب أمريكا، وأنه كان لا يزال تحت الاختبار في أمريكا، فأرسلته أمريكا لنجدة إسرائيل.

لقد دخلت أمريكا الحرب لإنقاذ إسرائيل حتى بالأسلحة التي تحت الاختبار، وقنبلة المافريك وأسلحة أخرى، ولانني أعرف إمكانياتي لا أحارب أمريكا، لذلك أرسلت برقية للرئيس الأسد في 19 أكتوبر أخطره فيها أنني قررت الموافقة على وقف إطلاق النار، وإنني لا أخاف إسرائيل ولكن أرفض مواجهة أمريكا، وبدأت في تنفيذ قراري، وأستدعيت السفير السوفيتي بقبولي وقف إطلاق النار، واجتمع مجلس الأمن وقرر أن يكون وقف إطلاق النار في الساعة السابعة مساء 22 أكتوبر.

انتهزت إسرائيل وقف إطلاق النار ووجهت هجومًا نحو الجنوب تجاه السويس وأخر تجاه الإسماعيلية، من أجل توسيع الثغرة، وأمرت قادة الجيشين الثاني والثالث بألا يسمحوا لقوات إسرائيل بالتوسع، وبالفعل لم يتمكنوا من دخولهما على الإطلاق، وحينما يآسوا من الوصول اكتفوا بالوقوف في الثغرة، وبدأت قواتنا في الغرب تضغط عليهم باستمرار.

وفي ديسمبر 73 كنت مستعدًا لتصفية الثغرة، فقد بدأت قواتنا حرب الاستنزاف، ولم يتوقف ضغطها على الثغرة لحظة واحدة مما جعلنا نكسب أرضًا جديدة كل يوم.

Friday, October 6, 2017

October 06, 2017

#مافيش فايدة يا حكومة ..اصلحي نفسك الاول..!!!

 # مافيش فايدة يا حكومة ..اصلحي نفسك الاول..!!!
هل تخفض برامج الحكومة للحماية الاجتماعية من معدلات الفقر



تتخذ الحكومة المصرية مجموعة من برامج الحماية الاجتماعية والاقتصادية منذ عشرات السنوات، إذ ترتكز هذه البرامج، في معظمها، على برامج الدعم بشقيه؛ العيني، والنقدي، غير أن معدلات الفقر لا تزال في تزايد مستمر خاصة  في المناطق الريفية.
هذا، وتصف منظمة الأغذية والزراعة- الفاو، برامج الحماية الاجتماعية أنها أمر حاسم الأهمية للتعجيل بالحد من الفقر. فالحماية الاجتماعية مفهوم شامل، لا يقتصر فقط على التحويلات النقدية، بل يشمل مكونات أخرى منها؛ التنمية الريفية المستدامة لانتشال فقراء الريف من براثن الفقر، وتقديم تعليم جيد، علاوة على توفير مظلة تأمين صحية واجتماعية تناسب الحياة الآدمية.
ولهذا لا تضمن التحويلات النقدية فقط سبيل جيد للخروج من دائرة الفقر، لذا سيعالج هذا التقرير مقاربة نظرية لبرامج الحماية الاجتماعية، وتطور تلك البرامج تاريخيا، علاوة على تقييم هذه التجربة ومسارها المستقبلي و البحث عن إجابة لتساؤل رئيسي، لماذا تتزايد معدلات الفقر رغم تنفيذ برامج للحماية الاجتماعية؟

مقاربة نظرية لبرامج الحماية الاجتماعية

أفرز النظام الرأسمالي العالمي هوة كبيرة بين أصحاب رؤوس الأموال والطبقة العاملة الأمر الذي تخلله تزايد واسع لمعدلات البطالة، وتدني الأجور، وارتفاع معدلات الإعالة.
فمع نهاية الحرب العالمية الثانية سادت منافسة كبيرة بين ثنائية قطبية لكل منهما أيدولوجيتها ومرجعيتها؛ الاتحاد السوفيتي الممثل للكتلة الشرقية، والولايات المتحدة الأمريكية الممثلة للنظام الليبرالي الغربي، بيد أن انهيار جدار برلين سنة 1989 أعلن صراحة عن فشل النظام الاشتراكي الماركسي وانتهاء الثنائية القطبية و إعادة النظر في دور الدولة والاقتصاد المخطط، و قد أعلن الكثيرون عن دخول الاقتصاد النيولبيرالي عصره الذهبي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وكنتيجة موضوعية للهيمنة الأمريكية، وبروز ظاهرة تمركز رؤوس الأموال بيد طبقة محدودة تمثل 1% من المجتمعات، خلق نمط الرأسمالية الأنكلو أمريكية تفاوتا طبقيا بالثروة في كل مجتمع حتى داخل المنظومة الرأسمالية نفسها. ففي الولايات المتحدة يمتلك 1% من سكانها حوالى 50% من مجموع الثروة، بينما يمتلك 80% من السكان أقل من 85% من تلك الثروة، بيد أن هذا النمط- مع سيادة الأحادية القطبية وهيمنة الاقتصاد الأمريكي بمعاونة المنظمات الدولية- الاقتصادي غير المتوازن قد تم تصديره لجميع دول العالم خاصة النامية عبر العولمة الأمريكية ووفق آلياتها .
وكان لتعرض النظام الرأسمالي لعدد من الأزمات، دور في بروز البعد الاجتماعي للنظام الرأسمالي Social Capitalism. حيث تعرض النظام الرأسمالي العالمي لأزمة مالية شديدة عام 2008 عبرت عن فشل واضح للنظام الرأسمالي، إذ صنفت هذه الأزمة بالأكبر التي تعرض لها العالم منذ أزمة الكساد الكبير عام 1929، و برزت الأزمة جلية عبر انعكاساتها المتشعبة على المستوى الاجتماعي حيث تخلخلت البنية الاجتماعية في منحى تصاعد معدلات البطالة وتراجع القدرة الشرائية لشرائح اجتماعية واسعة واتساع الهوة بين الطبقتين الغنية والفقيرة وتراجع جودة حياة الأفراد. وفي عام 2009 دعا رئيس الوزراء الاسترالي “كيفين رود” إلى اتباع نهج اقتصادي جديد سماه “الرأسمالية الاجتماعية”.
 وتعود الجذور العلمية للرأسمالية الاجتماعية إلى دراسة لـ “كيس فان كيرسبيرغن” عن الاقتصادات الأوروبية، بعنوان الرأسمالية الاجتماعية: وهي دراسة عن الديمقراطية المسيحية ودولة الرفاهة، إذ يحدد فان كيرسبيرغن الرأسمالية الاجتماعية باسم “النواة المشتركة” لـدولة الرفاهة الأوروبية ويضع الرأسمالية الاجتماعية باعتبارها “طريقا وسطا بين الجماعية الاشتراكية والفردية الليبرالية الجديدة .
ومؤخرا عرفت منظمة الأغذية والزراعة الفاو FAO الحماية الاجتماعية على أنها أمر حاسم الأهمية للتعجيل بالحد من الفقر” وفي هذا الإطار تشير الفاو إلى أن هذه الحماية من شأنها أولا: أن تحمي أضعف الأفراد الذين لا يستفيدون من النمو الاقتصادي. وثانيا، يمكن للحماية الاجتماعية، شريطة إحسان هيكلتها، أن تسهم مباشرة في تحقيق نمو اقتصادي أسرع عن طريق تنمية الموارد البشرية وتعزيز قدرة الفقراء، خاصة أصحاب الحيازات الصغيرة من العاملين بالزراعة، على إدارة المخاطر والأخذ بتكنولوجيات محسنة ذات إنتاجية أعلى . وهذا ينصرف على أن انتشار رقعة الفقر جغرافيا عن عمد ليس في صالح النمو الاقتصادي، بل يضعف من قدرة النمو الاقتصادي ويزيد من اعتمادية الفقراء على ثمار النمو المولدة على يد من يعول.
بيد أن هناك حاجة ماسة للتفريق بين مفهومي الحماية الاجتماعية وشبكة الأمان الاجتماعي، إذ يعد المفهوم الأول أعم وأشمل، حيث تتكون الحماية من مجموعة واسعة من السياسات والأدوات التي تدخل ضمن اختصاص نظام الحماية الاجتماعية. أما شبكات الضمان الاجتماعي، أو ما تعرف بالمساعدات/ التحويلات الاجتماعية الموجهة عادة إلى الفقراء التي تتطلب مساهمة مالية إلى المستفيدين، فلا تشكل إلا مكونا واحدا من مكونات الحماية الاجتماعية، علاوة على أن الحماية الاجتماعية تتعلق بأبعاد هامة تشمل جوانب سياسات سوق العمل وخيارات التأمين، مثل المعاشات التقاعدية، فضلا عن جوانب التعليم والصحة والتغذية والزراعة ومكافحة الأمراض والأوبئة .

التطور التاريخي لبرامج الحماية الاجتماعية

بداية، ووفقا للتفرقة بين مفهومي الحماية الاجتماعية وشبكات الضمان الاجتماعي، نجد أن برامج الحماية الاجتماعية في مصر ترتكز أكثر على بعد واحد متمثل في مكون “شبكات الأمان/ الضمان الاجتماعي”، وهى بذلك تبتعد عن مفهوم الحماية الاجتماعية بمفهومها الشامل، تلك التي تشمل نواحي هامة تتعلق بسياسات سوق العمل والتعليم والصحة والزراعة، وتتناول السطور التالية شبكات الأمان الاجتماعية من خلال آلية الدعم منذ العصر الملكي.
إذ يعود تاريخ الدعم في مصر منذ العصر الملكي، بعد أن قام الملك فاروق بالتصدي لمشكلة الحفاة التي يعاني منها الفقراء من خلال اعتماد مبلغ 2000 جنيه، واعتماد رئيس الوزراء حينئذ شراء 60 ألف حذاء للمصريين الحفاة . وفي الأيام التالية التي أعقبت الحرب العالمية الأولي، ظهر دعم السلع والمنتجات، جراء الارتفاعات المتتالية في الأسعار كردة فعل مباشرة للحرب، واتجهت الحكومة المصرية بتقديم الدعم بعد أن استوردت كميات كبيرة من القمح والدقيق من أستراليا لمعالجة مشكلة ارتفاع الأسعار وقامت ببيعه بأسعار مدعمة في منافذ بيع تابعة للحكومة.
وفي فترة الحرب العالمية الثانية، ومنذ عام 1941، اتخذت الحكومة إجراءات أكثر فاعلية لتقديم الدعم، كأحد التدابير الرئيسية في شبكة الحماية الاجتماعية التي تقدمها الحكومة لحماية الأسر الفقيرة والأشد احتياجا، وتوسعت الحكومة في السلع التي يشملها الدعم، ليشمل السكر والكيروسين والزيت والشاي باستخدام نظام البطاقات التموينية وتقديم الدعم بمقدار محدد لكل فرد في الأسرة المستحقة شهريا، وأنشأت وزارة التموين والتجارة الداخلية ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية لتكون مسؤولة عن إدارة منظومة الدعم التمويني. 
وخلال الحقبة الناصرية، وبالتحديد خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، واتباع الدولة نموذجاً للإصلاح قوامه تدخل أكثر للدولة في النظام الاقتصادي، تبنت الحكومة “برنامج رفاه” ليكون مظلة تقوم الحكومة من خلالها، بعد أن أصبح الدعم يعبر عن التوجه الاقتصادي للدولة، تقديم الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وكذلك التخفيف عن الأسر فضلاً عن دعم الغذاء.
وخلال حقبة الانفتاح، أي في عهد الرئيس أنور السادات، وبالتحديد منذ عام 1974 تتبني الدولة نظام اقتصادي منفتح على العالم الخارجي، اتجهت الدولة لرفع يدها عن النظام الاقتصادي وتحرير الأسعار وما يقتضي ذلك من تقليل الدعم التمويني ورفع تدريجي للأسعار ما تسبب في “انتفاضة الفقراء” بعد قرار الحكومة برفع الأسعار في يناير 1977 على عدد من السلع، كالدقيق والسكر والأرز والشاي، بعد التشاور مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ حزمة من الإصلاحات منها خفض الدعم، وكان ردة فعل الشارع المصري عنيفة، و استجاب على أثرها السادات وتراجع عن رفع الأسعار، بل وتوسعت الحكومة في تقديم الدعم وتوزيع الدقيق المدعم بالمناطق الحضرية والريفية على السواء.
وخلال فترة الثمانينات تزايد الحديث عن العجز المالي بالموازنة العامة للدولة وأرجع البعض أن الدعم السلعي أحد الأسباب الرئيسية للعجز المالي بعد أن وصل مقدار الدعم السلعي لنحو 1.6 مليار جنيه سنوياً، ويمكن تفسير هذا الارتفاع في مقدار الدعم بسبب الارتفاع في أسعار السلع العالمية علاوة على تزايد عدد الأصناف التي يشملها الدعم. لذلك اتبعت الحكومة برنامج أطلق عليه برنامج “إصلاح دعم السلع الغذائية” عام 1982، وكان هذا الإصلاح مرحلي خوفا من ردة الفعل التي واجهت السادات وانتهت بانتفاضة الخبز .
وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات باءت محاولته لرفع أسعار الأرز والدقيق وزيت الطعام بالفشل، لخروج الشارع ضده ليكون في صالح الطبقة الفقيرة. واستمر السادات في نهج “سياسة الباب المفتوح”، التي توجت في نهاية الأمر بضرورة تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي وتكيف هيكلي أطلق عليه حينها برنامج (ERSAB) وكان بمثابة “روشتة إصلاح” مقدمة من صندوق النقد الدولي للحد من الدعم الذي وصل إلى 144% في الثمانينات من إجمالي الموازنة العامة ولضبط العجز المتزايد في ميزان المدفوعات، حيث أغُرق السوق المصري بسلع الرفاهية القادمة من الخارج، إلى جانب السيطرة على عجز الموازنة العامة وكبح جماح الدين العام.
وبعد تطبيق حزمة الإصلاح المقدمة من صندوق النقد في عهد الرئيس السابق “حسني مبارك” انخفض الدعم إلى 4% فقط من إجمالي النفقات بالموازنة العامة مقارنة بـ 14% في بداية الثمانينات.
لذلك تعد برامج الضمان/ الأمان الاجتماعية، أول ورقة يتم استخدامها لخفض العجز في الموازنة العامة، وتلك نفسها التي يتم استخدامها لامتصاص الغضب الشعبي إزاء أي حراك مندد بارتفاع الأسعار، في حين تبعد الخطط الحكومية عن جوهر الحماية الاجتماعية، والبعد عن سياسات العمل وتحسين قطاع الزراعة، لانتشال فقراء الريف من براثن الفقر، وتحسن نوعية التعليم والصحة وغيرها من مقومات التنمية البشرية، إذ تعبر التحويلات النقدية إلى أفراد المجتمع الحل الأيسر في وجهة نظر الحكومات المتعاقبة دون معالجة حقيقية لمشكلات الفقر المرشحة للزيادة لنحو 50 مليون في ظل برنامج، قاسي، للإصلاح الاقتصادي تتبناه الحكومة بالاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين.

تقييم برامج الحماية الاجتماعية

أشار البيان التحليلي عن مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2017/2018 إلى زيادة مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية بنحو 126 مليار جنيه، (زيادة المخصصات من 206.4 مليار جنيه في موازنة العام المالي 2016/2017 إلى نحو 332.7 مليار جنيه في موازنة عام 2017/2018) ، أي بلغت الزيادة ما نسبته 61%، وهي زيادة كبيرة لحماية الطبقات الفقيرة ولكن على المستوي التفصيلي نجد أن هذه الزيادة في معظمها تأتي كرد فعل مباشر لارتفاع الأسعار خاصة ارتفاع أسعار السلع المستوردة كالمحروقات، نتيجة لارتفاع تكلفة الاستيراد بعد تحرير الجنيه في سوق الصرف الأجنبي في 3 نوفمبر 2016 وبلوغ معدل التضخم مستويات قياسية بلغت نحو 31% مايو الماضي وفقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ونتيجة لتزايد السخط العام بعد ارتفاع الأسعار، سواء أسعار المحروقات التي زادة بنسبة 100% خلال أقل من ثمانية أشهر، حيث زادت أسعار المحروقات في 4 نوفمبر 2016، وكذلك في 29 يونيو 2017، وبالتبعية ارتفاع أسعار وسائل النقل والمواصلات وأسعار الأغذية، من خضروات وفواكه، والأجهزة الكهربائية علاوة على ارتفاع عدد من الخدمات منها الكهرباء والمياه، ليس هذا فحسب بل إن ارتفاع قيمة ضريبة القيمة المضافة، قد ضاعفت من العبء على كاهل محدودي الدخل ومتوسطي الدخل على السواء.
وقُبيل رفع أسعار المحروقات في 29 يونيو 2017، وبالتحديد في يوم 20 يونيو 2017، اتخذت الحكومة متمثلة في شخص الرئيس عبدالفتاح السيسي، عددا من القرارات، التي كانت بمثابة قرارات لامتصاص أي سخط شعبي من زيادة تالية في الأسعار، لحماية محدودي الدخل وغير القادرين من معدلات التضخم المرتفعة منها:
1- زيادة الدعم النقدي في الشهر للفرد على بطاقات التموين من 21  إلى 50 جنيه بنسبة زيادة مقدارها 140%‏ وبقيمة 22 مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة، وبهذا ارتفعت مخصصات دعم المواد التموينية بالموازنة العامة للعام المالي الجاري لنحو  63 مليار جنيه بدلا من 41 مليار في العام المالي 2016/2017.
2- زيادة المعاشات التأمينية بنسبة 15% وبحد أدنى قدره 150 جنيه لعدد 10 مليون مواطن من أرباب المعاشات وبقيمة ما يقرب من 200 مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة.
3- زيادة قيمة الدعم النقدي لمستحقي برنامجي تكافل وكرامة بقيمة 100 جنيه شهرياً لعدد مليون و750 ألف مستفيد بقيمة ما يقرب من 8.25  مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة.
4- إقرار علاوة دورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية بقيمة 7%  وبحد أدنى 65 جنيها واقرار علاوة غلاء استثنائية قدرها 7%وبحد أدنى للعلاوتين 130جنيها.
5- إقرار علاوة دورية لغير المخاطبين لقانون الخدمة المدنية قدرها 10% بحد أدنى 65 جنيها وكذلك علاوة غلاء استثنائية قدرها 10%‏ وبحد أدنى للعلاوتين 130 جنيها.
6- زيادة حد الإعفاء وإقرار نسبة خصم ضريبي للفئات من محدودي الدخل بقيمة إجمالية تبلغ من 7 إلى 8 مليارات جنيه.
7- وقف العمل بضريبة الأطيان على الأراضي الزراعية لمدة 3 سنوات لتخفيف الأعباء الضريبية على القطاع الزراعي.
في حقيقة الأمر، إن هذه القرارات تخفف، ولو جزئيا، من وطأة الإصلاح الاقتصادي وانعكاسه على طبقة كبيرة من الفقراء، غير أن تكلفة الإصلاح ستخيم على مقدرات الاقتصاد برمته خاصة إذ علمنا أن برامج الحماية الاجتماعية، في ظل شروط الإصلاح، ستكلف الدولة ما يزيد عن 400 مليار جنيه، وهذا ما أعلن عنه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، كما أعلن عن أن برامج الحماية الاجتماعية ستتضمن: صرف معاش للأسر الفقيرة تحت مسمى تكافل وكرامة يقدر بـ325 جنيهاً، زادت بمقدار 100 جنيه، يستفيد منه 1.7 مليون أسرة تكلف الحكومة 7.3  مليار، ومعاشات الضمان الاجتماعي التي تبلغ قيمتها 15.4 مليار جنيه، بالإضافة إلى تخصيص مبلغ 110 مليار جنيه في الموازنة العامة للدولة لبرنامج صناديق التأمينات والمعاشات، كما أن دعم السلع الغذائية يستحوذ على 64.2 مليار جنيه، وبرنامج التأمين الصحي يستحوذ على 8 مليارات جنيه، و600 مليون لدعم الأدوية وألبان الأطفال .

اتجاه مستقبلي

كشف تقرير، صادر عن منظمة الأغذية والزراعة- الفاو، معنون بـ “حالة الأغذية والزراعة،2015″، عن أن تدابير الحماية الاجتماعية- كالتحويلات النقدية، والتغذية المدرسية، والأشغال العامة- تتيح للبلدان الفقيرة وسيلة اقتصادية للمُستضعَفين تمكِّنهم من انتشال أنفسهم من براثن الفقر المدقع والجوع المزمن، وتساعدهم على النهوض بصحة أطفالهم وتعليمهم بل وتحسين فرصهم في الحياة مستقبلاً .
فتعمد مصر في برامجها للحماية الاجتماعية على التحويلات النقدية، وإن كان اتجاه محمود، إلا أن هناك حاجه ماسة لاتخاذ مكونات آخرى من مكونات الحماية الاجتماعية على محمل الجد منها:
أولا – تصحيح مسار سياسات سوق العمل خاصة العلاقة بين رب العمل والعاملين، وعلى وجه الخصوص العاملين بالقطاع الخاص، فمازال العاملون هم الطرف الأضعف في تلك العلاقة خاصة وأن أرباب الأعمال يستسيغون انتقاص حقوقهم، بل وزيادة  العبء الوظيفي، والعمل لعدد غير أدمي من ساعات العمل، علاوة على تأخر رواتبهم وتدني مستواها، وببساطة من يرى أن سياسة العمل، التعسفية في بعض الأحيان والتي يكيفها صاحب العمل على هواه، أن يفسح المجال لغيره.
ثانيا – الاهتمام بالصحة العامة، باعتبارها حجر أساس ومكون هام من مكونات الحماية الاجتماعية، فأي عامل هذا سيقوى على العمل والإضافة إلى الإنتاجية الكلية بينما يعاني من مشكلات صحية، علاوة على التساهل والإهمال المتعمد للقطاع الصحي سيزيد من أعباء ترميم الصدع به، وقد ألزم دستور عام 2014 الحكومة بإنفاق نحو 10% من الناتج المحلي على قطاعات التعليم والصحة والبحث العملي على أن يكون نصيب القطاع الصحي وحده نحو 3% من الناتج المجلي الإجمالي، بينما جاءت موزانة العام الجاري (2017/2018) بعيدة كل البعد عن هذا الهدف، بل شهد الإنفاق على القطاع الصحي تراجع، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، لنحو 1.34% العام المالي الجاري (حجم الإنفاق على القطاع الصحي نحو 54.9 مليار جنيه، بينما الناتج المحلي بالأسعار الجارية 4.07 ترليون جنيه) مقارنة بإنفاق بلغت نسبته 1.43% العام المالي 2016/2017 . فهل عدم استطاعة الحكومة تحقيق التزام دستوري في المدي القصير، فكيف إذن سيتثنى لها أن تحقق هدف التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030.
ثالثا – إعطاء أولوية للبحث والتطوير بالقطاع الزراعي، وأظهرت دراسة صادرة عن الفاو أن التغير المناخي قد يتسبب في تقصير مواسم الزراعة بنحو 18 يوما، ويؤدي إلى انخفاض المحاصيل بنسبة 27% للزراعة المروية وبنسبة 55% للزراعة المطيرة بنهاية القرن الحالي، كما إن ارتفاع مستوى البحر في دلتا النيل يعرض مصر إلى خسارة أجزاء مهمة من أكثر الأراضي الزراعية إنتاجية نتيجة لملوحة التربة . ولما كان القطاع الزراعي هام لخفض نسب الفقر بالريف، إذا فهناك حاجه ملحة لتطوير هذا القطاع واستخدام سلالات زراعية أكثر إنتاجية وفي نفس الوقت مرشدة للاستخدام المائي.
رابعا – قطاع التعليم، يعاني قطاع التعليم من ترهل واضح، وبعيدا عن تكرار اتهام خريجي الجامعات بعدم مواكبة متطلبات سوق العمل، فهذه ليست مشكلتهم فليس هم من وضعوا المواد التعليمية التي تدارسوها، بل مشكلة منظومة تشمل عدد من الوزارات المعنية التي لا تحدد احتياجات واضحة لسوق العمل لربط مخرجات المنظومة التعليمية بسوق العمل، ناهيك عن بعد الأبحاث التطبيقية بالجامعات تماما عن الواقع العملي للاقتصاد المصري. 
خامسا – برنامج الدعم النقدي، يرى الباحث أن برنامج الدعم النقدي من خلال برنامجي تكافل وكرامة، اتجاه محمود يمكن البناء عليه وتوسيه مظلته، شريطة وجود قاعدة بيانات دقيقه لمن يستحق الدعم النقدي، وفي ذات السياق، تدلل الخبرات الدولية على نجاح هذا الاتجاه، ففي البرازيل أثبتت برامج التحويلات النقدية المشروطة بعدد أفراد الأسرة وشرط الانتظام في التعليم والخضوع للرعاية الصحية- فعالية حقيقية في معالجة الفقر وتحسين أحوال الفقراء، في فترة حكم الرئيس “لولا دا سلفا” ليشمل نحو 11 مليون اسرة أو 46 مليون مواطن وقدرت منظمة الصحة العالمية البرنامج البرازيلي في تحقيق نتائج غذائية افضل بين الاطفال.
وأخيرا، فإن البعد النقدي، الذي تتخذه الحكومة المصرية مسلكا، في الحماية الاجتماعية يعزز من فرص رفع الدخل وزيادة القوة الشرائية لدي الطبقات المعدمة، ولكنه لا يضمن آلية مستمرة للقضاء على الفقر، فالقضاء على الفقر يتطلب حاجه لحماية اجتماعية بمفهومها الشامل تتسق وسياسات عمل، فضلا عن نظام تأميني وصحي قوي، وأن يرتكز النمو الاقتصادي على بنية تعليمة وتكنولوجية حديثة، وعدالة في التوزيع علاوة على التنمية الريفية المستدامة لانتشال فقراء المزارعين من براثن الفقر.
بيستكردوا الشعب المصري
October 06, 2017

الفقر في إفريقيا خصوصيته وإستراتيجية اختزاله


الفقر في إفريقيا

خصوصيته وإستراتيجية اختزاله


مقدمة
ما زالت إفريقيا جنوب الصحراء تعاني من ظروف معيشية متدنية؛ حيث يعاني ثلث تعداد سكانها من الجوع، ويموت نحو سدس عدد أطفالها قبل سن الخامسة، برغم استمرار الزيادة السكانية في الكثير من دولها، وما زال الركود الاقتصادي، وانخفاض مستويات المعيشة سائدًا في أغلب مناطقها، وهو الوضع نفسه الذي كان سائدًا منذ عقد سابق من الزمان، مما يعني إخفاق كل المحاولات التي بذلتها دول القارة، والمؤسسات المالية الدولية لرفع معدلات النمو الاقتصادي، وإنجاح تجارب التنمية، وتحسين مستويات معيشة أبناء القارة.

وعلى مدى عقدين كاملين بُذلت العديد من المحاولات لاختزال الفقر في إفريقيا، إلا أنها أخفقت جميعًا في تحقيق أهدافها، واستمرت هوة الفقر التي تفصل بين القارة الإفريقية وباقي دول العالم في الاتساع؛ حيث تنقسم الدول الإفريقية ما بين دول منخفضة الدخل، (وهي الأغلبية؛ حيث يبلغ عددها 40 دولة إفريقية)، وتبلغ حصة الفرد فيها 745 دولارًا أو أقل سنويًّا من إجمالي الدخل القومي، وفقًا لإحصاء عام 2001م، ودول متوسطة الدخل (ويبلغ عددها 14دولة)[1]، وتتراوح فيها حصة الفرد من إجمالي الدخل القومي ما بين 746 إلى 9205 دولارات في عام 2001م[2].

وتبدو خطورة هذا الوضع إذا عرفنا أن التقديرات المعتدلة تطلب أن تحقق الاقتصاديات الإفريقية معدلات نمو لا تقل عن 7% للحد من الفقر بصورة كبيرة، وفي ظل ظروف إفريقيا الاقتصادية الحالية يعتبر هذا تحديًا كبيرًا في ضوء أهداف الألفية الجديدة، وتتلخص في: اختزال الفقر والجوع، وتحقيق تعليم ابتدائي عالمي، وتطوير المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، وتخفيض نسبة الوفَيات بين الأطفال، وتحسين الصحة الإنجابية، ومحاربة الإيدز، والملاريا، وغيرها من الأمراض، ودعم البيئة المستدامة، وتطوير شراكة عالمية للتنمية[3].

في إطار كل هذه الظروف ظهرت إستراتيجية اختزال الفقرPoverty Reduction Strategic Papers، والتي تعد الإطار الأساس الذي تمنح المؤسسات المالية الدولية على أساسها القروض للدول الفقيرة، وفي الوقت نفسه تمثل هذه الإستراتيجية فرصة لزيادة المشاركة الشعبية في صنع القرار، وتمنح الدول المقترضة الفرصة لصياغة إستراتيجية ذاتية لاختزال الفقر، تتناسب مع ظروفها وأوضاعها الداخلية.

وبناءً على ما سبق تحاول الورقة تحليل إستراتيجية اختزال الفقر، وما إذا كان من الممكن اعتبارها حلاًّ مناسبًا لاختزال ظاهرة الفقر في الدول النامية بما يتناسب مع الأوضاع الداخلية لهذه الدول، إن هذا الحل يُعد تكرارًا لحلول سابقة، مثل: برامج التكيف الهيكلي، والتي حاولت المؤسسات المالية الدولية فرضها، بما لا يتناسب مع الأوضاع الداخلية في الدول المطبقة لها.

وتنقسم الورقة إلى ثلاثة أجزاء؛ حيث يتناول الجزء الأول: تعريفًا لمفهوم الفقر، ولظاهرة الفقر في القارة الإفريقية، ويتناول الجزء الثاني: المعوقات التي تعترض طريق التنمية في القارة الإفريقية، بينما يتناول الجزء الثالث: إستراتيجية اختزال الفقر.

أولاً: ظاهرة الفقر في السياق الإفريقي:
على الرغم من النجاح النسبي الذي حققته القارة الإفريقية في رفع مستوى معيشة الأفراد، فإن حصة إفريقيا ممن يعيشون تحت خط الفقر، (أي من يحصلون على أقل من دولار أمريكي يوميًّا) ما زالت هي الأكبر؛ حيث يقدر عدد هؤلاء بحوالي 522 مليونًا في جنوب آسيا في عام 1998م، بالمقارنة بما يقرب من 291 مليونًا في إفريقيا جنوب الصحراء، و278 مليونًا في شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادي.

وعلى الرغم من الجهود المضنية التي بذلتها دول القارة لخفض نسبة هؤلاء، فإن النجاح كان نسبيًّا؛ حيث تمكنت القارة من خفض نسبة من يعيشون تحت خط الفقر بواقع 1.4% فقط في الفترة من 1990م، وحتى 1998م، وهي نسبة ضئيلة إذا ما قورنت بالنجاح الذي حققته القارة الآسيوية؛ حيث انخفضت النسبة بواقع 4% في منطقة جنوب آسيا، و12.3% في منطقة شرق آسيا؛ (انظر الجدول 1)، وهو ما يعني أن نسبة من يحصلون على أقل من دولار أمريكي يوميًّا قد زادت من 19% في عام 1990م إلى 24% في عام 1998م[4].

نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر[5]:
نسبة من يعيشون تحت خط الفقر
نمو الدخل القومي الحقيقي
معدل الدخل القومي للفرد
1990
1998
1990-1998
1990 - 1999
(معدل سنوي)
شرق آسيا والمحيط الهادي
27.6
15.3
12.3-
5.9
أوربا الشرقية ووسط آسيا
1.6
5.1
3.6
2.3-
أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي
16.8
15.6
1.2-
0.9
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
2.4
2.0
0.4-
0.1-
جنوب آسيا
44.0
40.0
4.0-
3.2
إفريقيا جنوب الصحراء
47.7
46.3
1.4-
0.2-

وعلى الرغم من ارتفاع إنتاج الغذاء في الفترة من عام 1980م إلى عام 1995م في مناطق الدول النامية بنسبة 27% في آسيا، و12% في أمريكا اللاتينية، فقد انخفض في إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 8%.

ورغم انخفاض انتشار الجوع في آسيا فإن ثلث سكان إفريقيا ما زالوا يعيشون في ظل الجوع الشديد، والنسبة في ازدياد مستمر، وما زالت القارة الإفريقية تعاني من ارتفاع نسبة السكان الذين يعانون من سوء التغذية؛ حيث انخفضت النسبة انخفاضًا طفيفًا من 35% إلى32%، في حين تأمل أهداف التنمية إلى خفض النسبة إلى 17% في عام 2015م، وهو هدف بعيد المنال استنادًا إلى مسار الإنجازات الحالية.

ونلاحظ ارتفاع نسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية خلال التسعينيات في أمريكا اللاتينية لتصل إلى 90% من الأطفال، وتبلغ النسبة 79% في جنوب آسيا، بينما زادت النسبة 3% فقط في إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث تصل نسبة الأطفال الملتحقين بالمدارس الابتدائية إلى 60% من الأطفال، ونتيجة لهذا ترتفع نسبة الأمية في إفريقيا؛ حيث قدرت نسبة الأمية في القارة الإفريقية لدى البالغين من العمر 15 عامًا، وما فوق 62.4% في عام 2001م بعد أن كانت تقدر بما يربو على 50% في عام 1990م، بينما ارتفعت هذه النسبة في الفئة العمرية من 15 إلى 24 عامًا من 76.4% في عام 1990م إلى 77.9% في عام 2001م، كما وصل مجموع نسب الالتحاق الإجمالية بالتعليم الابتدائي والثانوي والعالي في الفترة من 2001م إلى 2002م ما يقرب من 45%، وذلك رغم اختلاف نسبة الأمية فيما بين الدول الإفريقية؛ حيث تصل إلى أدنى معدل لها في دول مثل: زيمبابوي (12%) وموريشيوس (16%)، بينما تبلغ أعلى معدلاتها في دول مثل: النيجر (85%)، وبوركينا فاسو (77%)، وجامبيا (56%)[6].

يتضح عدم امتلاك الأفراد في القارة للقدرة العلمية التي تمكنهم من الارتقاء بوضعهم الاقتصادي، أو مكانتهم الاجتماعية، فتظل أوضاعهم الاقتصادية بلا تغير يُذكر، مهما كانت المحاولات المبذولة في سبيل ذلك.

كما ترتفع نسبة الوفيات أثناء الحمل والولادة بشكل مخيف في إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث تصل النسبة إلى نصف وفيات الأمهات في العالم النامي؛ حيث تتوفى أُمٌّ من بين كل مائة أثناء الولادة، وفي هذا الإطار تبدو الأهداف التي وضعتها الأمم المتحدة أهدافًا بعيدة المنال؛ حيث تنص على تخفيض وفيات الأطفال بنسبة الثلثين مع حلول عام 2015م، بينما تبلغ نسبة الوفيات من الأطفال دون الخامسة في إفريقيا 17%، ومن هنا لن تتمكن القارة من تحقيق هدف خفض الوفيات سوى بعد نحو 150 عامًا.

وفي حين يعتبر الحصول على مياه الشرب النقية أمرًا ضروريًّا للبقاء على قيد الحياة، ولتحقيق أهداف التنمية، تبلغ نسبة السكان الذين لا يحصلون على مياه مأمونة 65% في آسيا، بينما تصل إلى 28% في إفريقيا.

أما بالنسبة للصرف الصحي، فيقدر عدد المحرومين من سكان آسيا 80%، بينما تصل نسبة المحرومين من خدمات الصرف الصحي إلى 13% في إفريقيا، إلا أن (الفقر) وفقًا لتعريف البنك الدولي لا يقتصر على المعنى المادي فقط، بمعنى الحرمان من المال والثروة (وهو ما يقاس بمفهوم الدخل والاستهلاك)، ولكنه يتسع ليشمل انخفاض نصيب الفرد من عوائد التنمية الاقتصادية.. من الخدمات الأساسية، والتعليم والرعاية الصحية... إلخ[7].

فالفقير ليس من تنقصه الأموال والثروة المادية فقط، ولكن هو من يعاني من ضعف مستوى الدخل، ومن ثم الاستهلاك، وضعف نصيبه من الخدمات التعليمية، والصحية، والأمن، نتيجة تعرضه للتقلبات الاقتصادية، وكذلك يعاني من ضعف فرصته في المشاركة السياسية، ومن ثم فرصته في الوصول إلى السلطة[8].

وبهذا المعنى لا يصبح الفقير فقيرًا بالوراثة، ولكنه يصبح كذلك عند افتقاده للوسائل والأدوات التي تمكنه من الخروج من دائرة الفقر والتهميش، وتعينه على تحسين مستواه الاقتصادي والاجتماعي.

ومن هنا يكون اختزال الفقر من خلال تمكين الفقراء Empowerment، بمعنى منحهم الأدوات والقدرات التي تمكنهم من تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وظروفهم المعيشية[9].

ومن هذا المنطلق رُكِّزت الحلول العديدة التي طرحتها الأمم المتحدة لاختزال ظاهرة الفقر في العالم النامي على بُعدين أساسيين: فمن ناحية ركزت على تنمية القطاعات التي يتركز فيها الفقراء، ومن ناحية أخرى عملت على تمكين هؤلاء الفقراء، وتنمية قدراتهم؛ ليتمكنوا من الخروج من دائرة الفقر، وعلى هذا الأساس كانت إستراتيجية اختزال الفقر كما سيرد تحليله في جزء لاحق في الورقة.

وقبل الانطلاق لتحليل إستراتيجية اختزال الفقر، يجدر الانتقال إلى أهم المعوقات التي تعترض طريق التنمية في القارة الإفريقية، والتي يجب التغلب عليها قبل الحديث عن أي محاولات للقضاء على ظاهرة الفقر، ورفع معدل النمو وتحقيق التنمية الاقتصادية في القارة.

ثانيًا: معوِّقات التنمية الاقتصادية في القارة الإفريقية:
تمتلك القارة الإفريقية العديد من المقومات التي تسمح لها بالخروج من دائرة الفقر؛ فهي أكثر قارات العالم ثراء، وقد حباها الله بالطبيعة الرائعة، وبالموارد المعدنية، والثروات الطبيعية، والأرض الخصبة والتي تمكِّنها من أن تلحق بركب التنمية، وتتولى مكانًا رائدًا على المستوى الدولي.

إلا أنها في الوقت نفسه تشهد العديد من المعوِّقات التي تعترض طريقها للتنمية، وتحول دون إنجاح محاولاتها لرفع مستوى معيشة مواطنيها، وتتعدد هذه المعوقات ما بين معوقات اقتصادية من تخلف في الأوضاع الاقتصادية، واعتماد أغلب الاقتصاديات الإفريقية على تصدير السلع الأساسية، وهو ما يجعلها عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية، ومعوقات اجتماعية من ارتفاع معدلات الأمية، وانتشار الفساد الذي يلتهم جزءًا كبيرًا من عوائد التنمية، وضعف المعارضة والمجتمع المدني، ومعوقات سياسية من وجود نظم سياسية دكتاتورية تقمع المشاركة الشعبية، وتحظر التعددية الحزبية، فلا تسمح برأي غير رأي الحكومة، ومن هنا يشعر المواطن الإفريقي إلى جانب فقره بالإحساس بالظلم والاغتراب، فيضعف انتماؤه للدولة، ويختفي أمله في إمكانية تغيير أوضاعه، وتحسين مستواه[10].

كما أصبح الفقراء في القارة الإفريقية ضحايا لظروف وقوى جديدة التهمت ثمار النجاح المتواضع الذي حققته في طريق التنمية، وكان من أهم هذه القوى: الصراعات والنزاعات الداخلية، والإصابة بمرض نقص المناعة البشرية (AIDS)، وظاهرة التهميش التي تعاني منها القارة في ظل النظام العالمي الجديد، وأخيرًا: ظاهرة العولمة وعلاقتها بالنمو واختزال الفقر، ونفصِّل أهم هذه القوى الجديدة كما يلي:
الصراعات والنزاعات الداخلية:
أثقلت ظاهرة الصراعات الداخلية، والصراعات فيما بين الدول الإفريقية تاريخ القارة منذ الاستقلال، وتبدو خطورة الأوضاع المتردية التي تعاني منها إفريقيا في هذا الإطار من متابعة حجم الصراعات الدموية التي عانت منها القارة في الفترة الأخيرة.

حيث شهدت القارة 16 صراعًا داخليًّا من ضمن 35 صراعًا من هذا النوع على مستوى العالم في منتصف التسعينيات، وظلت إفريقيا تستأثر بأكبر عدد من الصراعات الداخلية عامي 1998م و1999م على مستوى العالم، وعددها 25 صراعًا داخليًّا، وفي عَقد التسعينيات توفِّي ما بين اثنين إلى أربعة ملايين قتيل في تلك الصراعات، وفي عام 1993م وحده نزح نحو 5.2 مليون لاجئ و 13 مليون مشرد في القارة الإفريقية[11].

وهكذا أدت الصراعات الداخلية إلى تكثيف الحروب الأهلية الدموية، وتشريد أعداد هائلة من الأفراد، ومن المأساوي أن 90% من ضحايا هذه الصراعات من المدنيين لا العسكريين، ونصف هؤلاء من الأطفال، مما يمثل تهديدًا مستمرًّا لاستقرار الدول الإفريقية مع ما يمثله من خطورة عبور الصراع للحدود الدولية للدولة للتأثير على أمن واستقرار الدول الإقليمية المجاورة.

وتظهر خطورة ظاهرة الصراعات والنزاعات الداخلية من آثارها السلبية على مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع.

فالدول التي تعاني حالة مستمرة من هذا النوع من الصراع غالبًا ما تعجز عن تنفيذ السياسات الاقتصادية، والاجتماعية طويلة الأجل، فتصبح الدولة فريسة لحالة تدهور، وعجز اقتصادي مستمرة تهدد أي أمل لتحسين حالة المعيشة لمواطنيها؛ فقد أخفقت أغلب خطط التنمية الاقتصادية بالرغم من تدفق المنح، والقروض، وغيرها من المساعدات المالية أو المعونات الفنية، والتي وصلت إلى ملايين الدولارات، وفقدت العديد من الأنظمة الحاكمة في إفريقيا مشروعيتها؛ نتيجة لعجزها عن حماية مجتمعاتها من كوارث المجاعة، والقحط، والصراعات الأهلية، والتصحر وما إلى ذلك من الكوارث القومية.

كما تخلِّف الأوضاع الأمنية المتردية مشكلات أمنية خطيرة، أهمها: مشكلة إعادة توطين اللاجئين، ويصل عددهم إلى 10 ملايين لاجئ، بواقع نصف اللاجئين في العالم، والمشردين والنازحين، ويقدر عددهم بحوالي 15 مليون إفريقي من بين 25 مليونًا على مستوى العالم.

وكان لظاهرة الصراع داخل القارة العديد من الأسباب، أهمها: التنافس على الموارد النادرة، والفقر، وحرمان المواطنين الأفارقة من ممارسة حقوقهم السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وفوق كل ذلك كانت الحرب الباردة من أهم أسباب استعارِ الصراع داخل القارة، وكانت النتيجة أن أصبح 4% من سكان القارة ما يقرب من 23 مليون نسمة من اللاجئين، والنازحين، وقد تسببت هذه الصراعات في تآكل جهود سنوات من التنمية الاقتصادية والبشرية في العديد من الدول الإفريقية، مثل: رواندا، والصومال، وليبريا، وأنجولا[12].

وأدت ظاهرة الصراع في القارة الإفريقية إلى زيادة الفقر، سواء على مستوى الدخل أو على مستوى القدرات البشرية في أكثر من 12 دولة إفريقية جنوب الصحراء، وكانت النساء والأطفال من أكثر الفئات تأثرًا بهذه الظاهرة؛ حيث قدرت منظمة اليونيسيف نسبة القتلى بما يفوق 60% من ضحايا هذه الصراعات، وهو ما يهدد جهود التنمية في القارة على المستوى القريب والبعيد على حد السواء.

مرض نقص المناعة البشرية:
ومع تزايد الإصابة بفيروس ضعف المناعة البشرية (الإيدز) الذي يعاني منه أكثر من 36 مليون شخص في العالم، ثلثهم من إفريقيا، ومن بين أشد السكان فقرًا، يمكن إدراك أن وباء فيروس الإيدز لم يعد مسألة صحية فقط، بل أصبح يهدِّد جهود التنمية.

فخطورة انتشار مرض الإيدز هي في تركزه في أكثر الفئات (نشاطًا) على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وهي الفئة العمرية التي تتراوح ما بين 15 و45 عامًا، وهي الفئة التي تعوِّل عليها الدول تولي مهمة إدارة عملية التنمية، والخروج بها من دائرة الفقر.

ويعرض الشكل التالي نسبة الإصابة بالمرض بين الأطفال تحت 15 عامًا في بعض الدول الإفريقية؛ حيث يتضح تنامي الإصابة بالفيروس فجأة وبسرعة، بالمقارنة بما كان عليه الحال منذ أوائل التسعينيات، ومن المقدر أن يصل عدد المصابين إلى عدة أضعاف في عام 2005م بالمقارنة بعددهم في عام 1990م، وعام 1995م بشكل خطير يهدد أي مساعٍ تبذلها الدولة من أجل التنمية؛ حيث يتراوح تقدير عدد المصابين في عام 2005م في دول مثل: تنزانيا، وأوغندا، ورواندا، وزامبيا من 10 إلى 20 مليون مصاب، بينما لم يكن هذا العدد يتعدى الخمسة ملايين في معظم هذه الدول، وهو ما يدل على خطورة تفشي المرض، وضرورة التكاتف من أجل مواجهته قبل أن يقضي على كل آمال القارة في تحقيق التنمية؛ (انظر الشكل 6).

وعند مقارنة نسبة الإصابة بالمرض في القارة الإفريقية بالمقارنة بغيرها من مناطق العالم النامي الأخرى: يتضح أن نسبة الإصابة ترتفع فجأة وبسرعة، بالمقارنة بهذه المناطق، كما يقع الغالبية العظمى من المصابين بالمرض في القارة؛ حيث وصل عددهم في عام 2002م إلى ما يربو على 25 مليون فرد من بين 42 مليون مصاب على مستوى العالم، ويمثلون بذلك أكثر من 70% من عدد المصابين في العالم؛ (انظر الشكل 7).

وهكذا يتضح أن المرض أصبح يمثل السبب الأول في الوفيات في القارة؛ حيث يصل إلى 91% من الوفيات في 29 دولة إفريقية، ويهدد 43 مليون طفل إفريقي بوفاة العائل بحلول عام 2010م، كما يتوقع ارتفاع عدد المصابين به من الأطفال تحت سن الخامسة ليصل إلى 1.5 مليون خلال 20 عامًا.

والقضية هي في العلاقة بين الإيدز والفقر المادي في صورة انخفاض الدخل، وهي علاقة مزدوجة؛ فمن ناحية نجد الفقر من أهم أسباب الإصابة بالمرض؛ فالفقير نتيجة لفقره عاجز عن دفع تكاليف العلاج، وجاهل بأعراض المرض، وأسبابه، وطرق الوقاية منه، نتيجة لأُميته والتي كانت بدورها نتيجة لفقره وعجزه عن دفع تكاليف التعليم، أو لتفضيل العمل صغيرًا، بهدف توفير دخل إضافي، لإعالة أسرته عن التفرغ لإتمام مراحل التعليم، ومن ناحية ثانية، فالإصابة بالمرض تسبب الفقر؛ وذلك لأن المرض يضرب بالأساس أكثر الفئات مساهمة في النشاط الاقتصادي، ومن ثم يؤدي إلى عجز هذه الفئات عن العمل والإنتاج، وينخفض الدخل نتيجة لانخفاض الإنتاج، كما أن ما يتم إنفاقه على تكاليف العلاج يأكل البقية الباقية من هذا الدخل المحدود، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر[13].

ولا تستطيع الدول الإفريقية مواجهة هذا الخطر في ظل عجز الشعوب الإفريقية عن دفع تكاليف العلاج، وانعدام الوعي الصحي، وقلة عدد المستشفيات، وفي ظل كل هذا يصبح الحديث عن التنمية، واختزال الفقر أمرً حتميًّا لا بد من تحقيقه والوصول إليه.

أزمة الديون:
تفاقمت أزمة الديون الإفريقية في العَقدين السابقين بشكل أثار المخاوف في إمكانية سداد الدول الإفريقية لها؛ حيث زادت الديون الخارجية للدول الإفريقية من حوالي 110 مليار دولار أمريكي في عام 1980م إلى 350 مليار دولار أمريكي في عام 1998م، بما يمثل 65% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة، وعجزت الدول المدينة عن تسديد فوائد الدين على الرغم من مختلف الجهود المبذولة لمعالجة الأزمة؛ حيث تقدر خدمة الدين بحوالي 31% من صادراتها للسلع والخدمات.

وتزداد خطورة القضية مع انهيار أسعار السلع الأساسية، والتي تعتمد عليها أغلب الدول الإفريقية بشكل أساس؛ حيث تمثل سلعة واحدة أو سلعتان في بعض الأحيان أكثر من 50% من عائد التصدير لأربعين دولة إفريقية[14].

ومن هنا كانت المناداة بضرورة معالجة مشكلة الديون الخارجية للدول الإفريقية بإسقاط أو تخفيف عبء المديونية، التي تأكل معظم عوائد الدخل القومي، ومخصصات التنمية الواجب توجيهها لخدمة التعليم والرعاية الصحية، والبنية التحتية تتجه لخدمة سداد الدَّين، وتزيد من ظاهرة الفقر، ومن ثم تعطل خطط التنمية، وتزيد من توسيع الهوة بين الدول المتقدمة والدول النامية[15]، فإجمالي خدمة الدَّين التي تدفعها القارة الإفريقية تعادل ضعف الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية فيها، بينما إلغاء الديون عن كاهل الدول الإفريقية سيكلف المواطن في الدول المتقدمة ما يقارب من سنت واحد يوميًَا، ومن هنا يقع العبء الأكبر من مهمة اختزال الفقر، وإلغاء الدين الإفريقي عن كاهل الدول المانحة، والمؤسسات المالية، والتنموية الدولية[16].

تهميش القارة الإفريقية:
لا يمكن إغفال ظاهرة التهميش التي تعاني منها القارة الإفريقية، باعتبارها أحد الأسباب المعوقة لعملية اختزال الفقر في القارة.

ففي إطار التهميش الذي تتعرض له البلدان الإفريقية في الاقتصاد العالمي استمر هبوط حصة القارة الإفريقية من التجارة العالمية؛ حيث انخفض نصيب القارة إلى 2% من الصادرات العالمية وفقًا لتقارير منظمة التجارة العالمية، مقارنة بنصيب القارة الآسيوية، الذي يقدر بما يربو على 17%، ونصيب دول أمريكا اللاتينية البالغ 5%، كما انخفضت نسبة تدفق الاستثمار الخارجي إليها إلى 6.4 مليار دولار فقط من إجمالي تدفق الاستثمار العالمي البالغ 400 مليار دولار، وبهذا لا يتعدى نصيب القارة من تدفق الاستثمار الأجنبي 1.5%، بينما بلغت نسبة رؤوس الأموال التي هربت من إفريقيا 205% من رؤوس الأموال العاملة فيها خلال السنوات الثلاث من 1998 - 2000م، بينما ورد إلى قارة آسيا 24% من رؤوس الأموال العاملة فيها، وهرب منها 2% فقط خلال الفترة نفسها[17].

إفريقيا والعولمة:
حاولت العديد من الدراسات بحث العلاقة بين ظاهرة العولمة من ناحية، والنمو الاقتصادي والفقر من ناحية أخرى؛ حيث ركَّز بعضها على وجود علاقة إيجابية بين العولمة واختزال الفقر؛ فالأولى تؤدي إلى رفع القيود عن الاقتصاد القومي، وتحرير التجارة الدولية، مما يؤدي إلى النمو الاقتصادي. والنمو الاقتصادي بدوره يؤدي إلى القضاء على ظاهرة الفقر، إلا أن هذه النتيجة ليست صحيحة في كل الأحوال، ففي أحيان عديدة تستفيد بعض القطاعات من النمو الاقتصادي على حساب قطاعات أخرى من المجتمع، ومن ثم يؤدي النمو الاقتصادي إلى زيادة ثراء بعضهم، وازدياد فقر بعضهم الآخر.

ومن هنا لم يعُد المقياس هو اعتبار العولمة بمثابة الوصفة السحرية لتحقيق النمو، ومن ثم اختزال الفقر، ولكن أصبح المقياس هو نوع سياسات النمو الاقتصادي الواجب اتباعها، فهناك سياسات تعزز النمو الاقتصادي، وتدعم الفقراء في الوقت ذاته، وتقضي على فقْرهم، بينما هناك سياسات أخرى تعزِّز النمو في حين تزيد من فقر الفقراء، فتحرير سوق رأس المال، بمعنى فتح الأسواق أمام التدفق الرأسمالي الخارجي، قد يؤدي إلى عدم الاستقرار الداخلي؛ لأنه يزيد من فقر الطبقات المعدمة، وهو الشيء نفسه بالنسبة لسياسات إزالة التعريفة الجمركية، والتي نجد العديد من دول العالم النامي، خاصة الدول الإفريقية غير مهيأة للتعامل معها.

وبالفعل أثبتت دراسات البنك الدولي في جولة أوروجواي أن الأوضاع الإفريقية في ظل العولمة قد أصبحت أسوأ مما كانت عليه قبلها[18].

من كل ما سبق يتضح أهمية ظاهرة الفقر، وخطورة تأثيرها على التنمية في القارة الإفريقية، وظهرت العديد من المبادرات لاختزال معدلات الفقر في إفريقيا، وكان للدول المانحة الدور الأكبر في طرح هذه المبادرات؛ فقد أعلنت الدول المانحة في عام 1996م مبادرة تعزيز البلدان الفقيرة المثقلة بالديون والتي بموجبها تم اعتماد مليار من عملة اليورو من صندوق التنمية الأوروبي لتخفيف الديون، وكانت القارة الإفريقية هي المستفيد الرئيس منها، واتخذت دول الاتحاد الأوروبي العديد من التدابير للمساعدة في تخفيف عبء الديون عن البلدان الفقيرة التي تبنَّت برامج إصلاح اقتصادي، كما قررت قمة الدول السبع الصناعية في كولونيا تخفيف عبء الديون بطريقة أسرع وأعمق وأوسع لمجموعة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.

وبما أن الفقر ليس ماديًّا فقط، ولا يمكن قياسه بمستوى الدخل الفردي فقط، كانت محاولات زيادة الدخل الفردي غير كافية لاختزال الفقر؛ فاستبعاد الفقراء وتهميشهم على المستوى الاقتصادي وحرمانهم من المشاركة السياسية في صنع القرار يُعَدُّ في الواقع استمرارًا لفقرهم[19].

ومن هنا كان على محاولات اختزال الفقر التعامل معه، باعتباره ظاهرة معقدة متعددة الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. كما كان السبب الرئيس في إخفاق العديد من محاولات اختزال الفقر هو فرض سياسات لمحاربة الفقر تبتعد عن الفقراء، ومن هنا كانت أهمية وضع إستراتيجية لاختزال الفقر تستند بالأساس على المشاركة الشعبية في توصيف ظاهرة الفقر، وأسبابها، وكيفية محاربتها، والقضاء عليها.

كما دفعت خطورة الظاهرة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، إلى زيادة الاهتمام باختزال الفقر في العالم بصفة عامة، وفي إفريقيا بصفة خاصة، واتخذا في سبتمبر 1999م قرارًا بالتركيز على اختزال الفقر كإطار رئيس ترتكز عليه المؤسسات المالية الدولية، والدول المانحة عند تقديم مساعداتها المالية للدول الفقيرة، ومنحها امتيازات القروض وخدمة الدَّين.

ومن هنا كان ظهور إستراتيجيات اختزال الفقر Poverty Reduction Strategy Papers (PRSP's).

ويتناول الجزء التالي من الورقة تحليلاً لأهم مراحل سياسة اختزال الفقر، ودور البرلمان في صياغتها، والمراقبة على تنفيذها.

ثالثًا: إستراتيجية اختزال الفقر:
Poverty Reduction Strategy Paper:
طرَح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هذه الإستراتيجية في 70 دولة متوسطة الدخل في عام 2002م، وبموجبها تتولى الدول المقترضة مسؤولية تطوير إستراتيجيات محلية، خاصة بها لاختزال الفقر في أقاليمها، ومن هنا تتوفر من وجهة نظر المؤسسات المالية الدولية المشاركة الوطنية الكاملة في صياغة الإستراتيجية، وتنفيذها، والرقابة الفعالة عليها؛ حيث تعدها الدولة بنفسها، بعد التشاور مع المجتمع المدني والقطاع الخاص، سواء بشكل مباشر من خلال اللجان الشعبية، أو بشكل غير مباشر من خلال نواب الشعب في البرلمان[20].

وفي هذا الإطار تبدو أهمية مشاركة الفقراء أنفسهم؛ فهم الأقدر على تعريف أبعاد الفقر من وجهة نظرهم، وأهم أسبابه، لكنْ نظرًا لضعف وعي هذه الفئة، تتولى اللجان الشعبية هذا الدور؛ حيث تتولى مع أعضاء البرلمان مهمة الرقابة على أداء الحكومة، وضمان اختيار الإستراتيجية المثلى لاختزال الفقر والتي تتناسب مع ظروف الدولة ووضعها الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي الداخلي.

وتتولى البرلمانات الوطنية الدور الرئيس في صياغة الإستراتيجية، والرقابة على تنفيذ الحكومة، وترجع أهمية تضمين البرلمان الوطني لعدة أسباب، فمن ناحية تفضِّل المؤسسات المالية الدولية التعامل مع لجان البرلمان عن التعامل مع الوزارات المختصة؛ حيث تضمن بذلك تضمين الحكومات المستقبلية إذا ما تولت المعارضة الحكم، ومن ثم يتوفر للإستراتيجية قدر من الاستقرار والاستمرارية.

ومن ناحية أخرى يمثل البرلمان قطاعات كبيرة من الشعب من الفقراء، مما يضمن مشاركتهم في وضع برامج اختزال الفقر، ومتابعة تنفيذ كل مراحلها، ومن ثم يشاركون في صنع السياسات التي تؤثر على حياتهم اليومية، وفيما يتعلق بالدول المقترضة نفسها، فتولي أعضاء البرلمان مسؤولية اختزال الفقر أفضل من تركها للمؤسسات المالية الدولية والدول المانحة لتملي عليها وصفات جاهزة لا تتفق مع ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية[21].

إلا أنه نظرًا لاختلاف الأدوار التي تلعبها المجالس التشريعية في مختلف الدول، ولاختلاف وعي هذه المجالس بطبيعة الدور المتوقع منها، فيما يتعلق بالإستراتيجية، قدَّم البنك الدولي والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في عام 2001م برنامجًا مشتركًا لتفسير الإستراتيجية، لأعضاء البرلمان في العديد من الدول، ولمساعدتهم في تحديد الدور المنوط بهم في صياغة الإستراتيجية والرقابة على تنفيذها، وبالفعل بدأ تطبيق برنامج (البرلمانات والحكم وإستراتيجية اختزال الفقر) بالتعاون مع البرلمان الفنلندي في ستة دول إفريقية، وهي: إثيوبيا، وغانا، وكينيا، وملاوي، ومالي، ونيجيريا[22].

وبالفعل طبقت الإستراتيجية 29 دولة إفريقية، ما بين مرحلة الإعداد والتطبيق، كانت أولها تنزانيا والتي بدأت مرحلة الإعداد في إبريل 2000م، وكانت آخرها موزمبيق، وبوركينا فاسو في مارس 2004م[23].

وتنقسم مراحل إستراتيجية اختزال الفقر إلى ثلاث مراحل أساسية:
تبدأ بعملية صياغة الإستراتيجية، وتشمل هذه المرحلة تحليلاً لظاهرة الفقر لفهم خصائصها، والعوامل التي تؤثر على زيادة معدلات الفقر، أو على اختزاله، يعقبها صياغة الإستراتيجية، وتشمل اختيار سياسات اختزال الفقر على المدى القصير والبعيد.

ثم مرحلة تنفيذ الإستراتيجية، وأخيرًا مرحلة تقييم الإستراتيجية.

وتشمل تحديد مؤشرات قياس التقدم في عملية التنفيذ، والمراقبة الدورية للنتائج، ثم التغذية الاسترجاعية لمتابعة تنفيذ سياسات الإستراتيجية، أو إجراء تعديلات عليها[24]، وفيما يلي تحليل هذه المراحل الثلاث:
المرحلة الأولى: صياغة إستراتيجية اختزال الفقر:
تبدأ هذه المرحلة بوضع تعريف محدد للفقر، وفقًا لأوضاع الدولة الاقتصادية والاجتماعية، ويتضمن هذا تحديد أبعاد الفقر، ومن يدخل في دائرته من المواطنين، وأهم أسباب فقرهم، وبناء عليه يتم تحديد الإستراتيجية المناسبة لمواجهة ظاهرة الفقر واختزالها؛ حيث تختلف أبعاد وأسباب الفقر من دولة إلى أخرى وفقًا لطبيعة الدولة، وظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهناك دولة تعتمد بالأساس على القطاع الزراعي، ومِن ثَمَّ يكون اختزال الفقر، ورفع مستوى معيشة مواطنيها، وأغلبهم من الفلاحين، بتطوير هذا القطاع من خلال تحسين الظروف الزراعية، وتطوير شبكات الري، وتطوير البذور والأسمدة، وتوفير الائتمانيات الريفية، ومع انخفاض نسبة التعليم تعتمد الإستراتيجية على تطوير التعليم وتوفيره - بالدعم المناسب - لكل قطاعات المواطنين.

وعلى الصعيد الاقتصادي تعمل الوثيقة على رفع مستوى الأداء الاقتصادي من خلال السيطرة على معدلات التضخم، وتجنب عجز الموازنة، وتفادي مخاطر التقلبات الاقتصادية الخارجية، ودعم الاستقرار الاقتصادي الداخلي، ومع تدهور شبكات البنية التحتية يكون التركيز على تطوير شبكة الطرق وربط الأقاليم ببعضها، لضمان توصيل السلع إلى الأسواق، فالنمو الاقتصادي يولد وظائف للعاطلين عن العمل، ويرفع من مستويات الدخل، وهي ما يحقق بدوره المزيد من التنمية في قطاع الصحة والتعليم، وزيادة إنتاجية القطاع الزراعي تؤدي إلى زيادة الدخل القومي، ومِن ثَمَّ القضاء على أسباب الفقر، وهي كلها شروط مسبقة للتنمية المستدامة[25].

أما على المستوى السياسي فتضمن الوثيقة تطبيق مبادئ الحكم الجيد، وفقًا لما وضعه البنك الدولي من شروط، وهي: تطبيق القواعد القانونية، والإدارة الجيدة لموارد الدولة، والمساواة في التوزيع، والمحاسبية، والشفافية، وقد أوصى البنك الدولي ووكالات التعاون الدولي، وفي مقدمتها برامج الأمم المتحدة للتنمية بضرورة تقييد دور الدولة، وتدعيم المجتمع المدني، وحماية القطاع الخاص واستثماراته، ولتحقيق هذا الهدف تولت المؤسسات الدولية مشروعات دعم المجتمع المدني، من أجل ترسيخ فكرة الديمقراطية، وتمويل مشروعات مكافحة الفقر، وبذلك اكتسب المفهوم بُعدًا جديدًا من حيث تدعيم المشاركة، وتفعيل المجتمع المدني من خلال المساءلة والرقابة والشفافية[26].

وتبدو أهمية دور البرلمان في هذه المرحلة من عدة جوانب: فمن ناحية يتمكن النائب البرلماني من خلال علاقته المباشرة التي تربطه بأفراد دائرته الانتخابية من جمع البيانات الكمية عن أعداد الفقراء، ومفهومهم عن الفقر، وأبعاده وأسبابه المختلفة، وأهم إستراتيجيات اختزاله، خاصة وأن نجاح العضو البرلماني في أداء دوره مرهون بنجاحه في مساعدة أبناء دائرته وقدرته على تلبية مطالبهم واحتياجاتهم، وأهمها محاربة الفقر، ومن ناحية ثانية يلعب البرلمان دورًا هامًّا في تقييم مدى رضاء المواطنين عن الإستراتيجية، سواء بتفهم سياساتها، وتحمل آثارها السلبية، أو بانتقادها والاعتراض عليها، ورفض المشاركة فيها، ومن ثم يتمكن من تقييم نجاح أو إخفاق تطبيق الإستراتيجية، ومن ناحية ثالثة تبدو أهمية دور البرلمان في صياغة الإستراتيجية، من أنه الجهاز التشريعي المنوط به تمرير القوانين والتشريعات، وهو ما يضمن إصدار ما يلزم من قوانين لضمان تطبيق الإستراتيجية، والتنسيق بين ما هو صادر بالفعل منها، ومن ناحية رابعة فإن إشراك البرلمان في عملية الصياغة، والرقابة على تنفيذ وتقييم الإستراتيجية يضمن مشاركة الأغلبية، والمعارضة على حد السواء، وهو ما يكفل الاستقرار والاستمرار في تنفيذ الإستراتيجية حتى بعد تغير الحكومة وتولي المعارضة لها.

ونظرًا لما يتطلبه تطبيق الإستراتيجية في بعض الأحيان من اتباع بعض السياسات التي قد تؤثر على قطاع من قطاعات المجتمع، نتيجة ما قد يترتب على هذه السياسات من رفع للأسعار، وزيادة معدلات البطالة، وغيرها من الآثار الاجتماعية لسياسات الإصلاح الاقتصادي، تبدو الحاجة لرفع وعي المواطن، من خلال دور وسائل الإعلام، وعقد الندوات والاجتماعات مع القيادات الشعبية، لتعريف المواطنين بالإستراتيجية وبآثارها الإيجابية، ولضمان مشاركتهم في تطبيقها، وتفهم آثارها السلبية، وتفهُّم المواطن لبنود الإستراتيجية يشجِّعه على توفير البيانات الدقيقة التي تساعد اللجان البرلمانية المختصة بصياغة الإستراتيجية على حسن اختيار الإستراتيجية المناسبة اللازمة لاختزال الفقر، وذلك وفقًا لما يحدده المواطنون من أبعاد وأسباب.

وتجدر الإشارة في هذه المرحلة إلى الاختلاف بين أقاليم الدولة فيما يتعلق بمستوى التنمية الاقتصادية، ومدى ما تمتع به من بنية تحتية، وما توفره لسكانها من خدمات أساسية، وعلى البرلمان أن يضع هذا الاختلاف في الحسبان عند مناقشة بنود الإستراتيجية؛ حيث يكون الهدف الرئيس في هذه الحالة: هو تقليل الفجوة بين أقاليم الدولة على المستوى الاقتصادي.

وتشترك في صياغة الوثيقة كل من اللجان الشعبية، والتي تساهم من خلال مشورتها في تحديد أبعاد وأسباب الفقر، واللجان البرلمانية المتخصصة؛ حيث تشترك كل لجنة في صياغة ما يتصل بمجال عملها، وتقدم هذه اللجان تقريرها إلى البرلمان ليتخذ من التشريعات ما يكفل إنجاح تطبيق الإستراتيجية، ثم يقوم البرلمان بدوره بتقديم الإستراتيجية التي تمت صياغتها إلى المؤسسات المالية الدولية لتقييمها من حيث مشاركة المواطنين فيها (المشاركة)، وتأييدهم لها (شرعيتها)، ودرايتهم بكل جوانبها السلبية قبل الإيجابية (شفافيتها)، باختصار تقييم مدى ما تتحلى به من قيم الديمقراطية[27].

المرحلة الثانية: تنفيذ إستراتيجية اختزال الفقر:
تشمل هذه المرحلة وضع ميزانية تنفيذ الإستراتيجية، وتخصيص الموارد اللازمة لتطبيقها بما يتناسب مع الأهداف الواجب تحقيقها، بمعنى أن يتم إنفاق الموارد على البنية التحتية والخدمات التي يحتاجها الفقراء، وليس على الخدمات التي تعتقد الحكومة احتياج الفقراء لها، مما يعني أهمية جمع البرلمان لبيانات توضح احتياجات الفقراء، ومطالبهم لاختزال فقرهم، ولتحديد أفضل تخصيص للموارد العامة ليلبي هذه الاحتياجات[28].

كما يتولى البرلمان مراجعة الميزانية بصفة دورية، من خلال لجان خاصة، تساعدها في عملها لجان مختصة من وزارة المالية، ومن المجالس المحلية، ويشمل ذلك مراجعة بنودها ومدى اتفاق تخصيص الموارد، وفقًا لهذه البنود، مع تحقيق أهداف الإستراتيجية، وإعادة تخصيصها إذا لزم الأمر، ومن المفيد هنا وضع خطط ثلاثية أو خمسية؛ حيث يسمح ذلك بإعادة رسم الإستراتيجية، وتصحيح السياسات وفقًا للمتغيرات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية الجديدة بما يضمن النجاح في تحقيق أهداف الإستراتيجية[29].

ومن المفيد كذلك أن يستفيد أعضاء البرلمان من خبرات وتجارب الدول التي طبقت الإستراتيجية لاختيار أفضل السياسات منها، وتجنب الأخطاء التي وقع فيها الآخرون، وذلك من خلال عقد المؤتمرات البرلمانية الإقليمية بين الدول المطبقة للإستراتيجية(2).

ومن هنا تنجح الإستراتيجية في تقوية هياكل الحكم الديمقراطي في الدول التي يتم تطبيق الوثيقة فيها بتقوية دور البرلمان الوطني الذي يتولى صياغة الإستراتيجية، وتمرير التشريعات والميزانيات اللازمة لتنفيذها، والرقابة على تنفيذ الحكومة لها، وبزيادة المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي والاقتصادي الذي يؤثر على الحياة اليومية للأفراد.

المرحلة الثالثة: مراقبة تنفيذ الإستراتيجية:
ويشمل دور البرلمان في هذه المرحلة تقييم تنفيذ السلطة التنفيذية لبنود الإستراتيجية، وبناء على التغذية الاسترجاعية التي يحصل عليها النائب البرلماني من أبناء دائرته، ومدى استجاباتهم لسياسات الإستراتيجية، يحدد البرلمان مدى التعديل الواجب إدخاله على هذه السياسات، سواء بتعديل السياسات التي تم تطبيقها، أو بإدخال سياسات جديدة.

وتتحدد فعالية دور البرلمان في الرقابة على تنفيذ إستراتيجية اختزال الفقر من خلال العديد من العوامل، يتعلق بعضها بأوضاعه الداخلية، ويتعلق بعضها الآخر بالظروف الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية المحيطة به.

فمن ناحية أُولى يتوقف دوره على قدراته وموارده الذاتية، وعلى تكوينه(من الأغلبية، أو حكومة تحالف)، وتماسكه الداخلي (العلاقة بين الأغلبية والأقلية)، ومدى الثقة المتوافرة بين المواطن، والنائب البرلماني.

ومن ناحية ثانية يرتبط هذا الدور بالوضع الاقتصادي الداخلي، من حيث نمط التنمية المتبع، والنجاح في عملية التنمية، ومدى ما يتوفر للبرلمان من موارد تسمح له بالقيام بهذا الدور، وفي هذا الإطار تبدو أهمية العلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية، خاصة فيما يتعلق بتخصيص الموارد، والتساوي في توزيع مخرجات التنمية على قطاعات المجتمع المختلفة دون استبعاد أي منها، وكذلك مدى توافر البنية التحتية التي تسمح بتنفيذ الإستراتيجية.

ومن ناحية ثالثة يتوقف على نوع النظام السياسي، بمعنى طبيعة دور البرلمان والحكومات المحلية بالمقارنة بدور السلطة التنفيذية، وما يتمتع به البرلمان من سلطة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ويشمل ذلك طبيعة النظام الحزبي، ومدى تمثيل مختلف أحزاب المعارضة داخل البرلمان، وتمثيل مختلف التيارات السياسية فيه، كما يختلف دور البرلمان وفقًا لمدى الاستقرار السياسي الذي تتمتع به الدولة، وأخيرًا مشاركة المجتمع المدني في صنع القرار السياسي والتنموي، وارتفاع معدلات الأمية، مما يعوق المواطنين عن إدراك أبعاد الإستراتيجية، والمساهمة في صياغتها وفي تقييم نجاحها أو إخفاقها، كذلك فإن التدرج في الإصلاح وفي تطبيق الإستراتيجية، ورفع وعي الشعب بآثارها يضمن نجاحها[30].

ولا نغفل في هذه المرحلة أهمية الحفاظ على وجود قناة اتصال تربط بين أعضاء البرلمان القومي، والمؤسسات المالية الدولية دون أن يتبع ذلك الاعتماد على المشورة الأجنبية، وهو ما يستوجب دعم اللجان البرلمانية بالمتخصصين، وبالدعم المالي خاصة في هذه المرحلة[31].

الخاتمة:
برغم الأهداف المتفائلة التي وضعتها الألفية الجديدة لتحسين أوضاع الفقراء، ولتقليل الهوة بين العالم المتقدم والعالم النامي، ما زالت إفريقيا بعيدة كل البعد عن تحقيق هذه الأهداف، خاصة هدف تخفيض نسبة السكان الذين يعيشون في الفقر الشديد بأقل من النصف، وهدف توفير التعليم الابتدائي لأكثر من 120 مليون طفل إفريقي، وهو الشيء نفسه بالنسبة لهدف خفض نسبة الوفيات بين الأطفال بمعدل الثلثين، فمن المنتظر بالمعدل الحالي أن تحقق هذه الأهداف بحلول عام 2150م على الأقل وليس 2015م[32].

وقد أثبتت العديد من الدراسات أن القضية لا تتعلق بإنتاج الغذاء؛ لأن الإنتاج الإفريقي كافٍ لإشباع شعب الكرة الأرضية كلها؛ فإفريقيا تنتج ما يكفي الاستهلاك الغذائي فيها، بعكس غيرها من مناطق الدول النامية، كما يعمل أكثر من ثلثي شعبها في الزراعة، ومن ثم تعد الأخيرة مصدرًا هامًّا من مصادر التوظيف والعمالة، وهي تساهم في نمو القطاعات الاقتصادية الأخرى، إلا أن القضية هي في توفر الغذاء، وفي توزيعه، والوصول إليه وقدرة الأفراد الشِّرائية.

كما تتعلق قضية الفقر في إفريقيا بالمؤسسات السياسية والسلطة؛ فالأزمة في إفريقيا هي أزمة مؤسسية بالأساس؛ حيث جاء تحرير السوق والخصخصة، نتيجة لضعف الدولة، وعجزها عن تولي قضية التنمية والتحول إلى الاعتقاد (بكفاءة السوق في تخصيص الموارد)، إلا أن التجربة أثبتت أن الخصخصة جاءت بدافع خاص من القطاع الخاص، سعيًا وراء الربح الشخصي، وليس بهدف مساعدة الفقر وانتشالهم من فقرهم، ومعنى ذلك أن النظام أصبح مفتوحًا على السوق العالمية، نتيجة لضعف الدولة، إلا أنه لم يؤد إلى أي تحسن في أوضاع الفقراء، بل على العكس أدى إلى زيادة الهوَّة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء داخل الدولة[33].

ومن هنا كان التفكير في فرض الإصلاح الاقتصادي والسياسي من خلال تبني برامج التكيف الهيكلي التي قامت المؤسسات المالية الدولية بصياغتها، وفرضها على الدول المقترضة بغض النظر عن ملاءمتها لظروف هذه الدولة.

وبرغم تطبيق العديد من الدول النامية لهذه البرامج، فإن معدلات الفقر ما زالت في تزايد مستمر، وفي الوقت نفسه استمر اعتراض الشعوب على تبنيها وتطبيقها؛ نظرًا لأنها مفروضة من الخارج وهو ما يشكك في استقلالية الدول المتبنية لها، مما دفع البنك الدولي للتفكير في برامج جديدة، تتولى الدول المقترضة صياغتها بنفسها، بحيث تضمن توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، ومن ثم تأييد الشعب لها[34].

وفي محاولة من المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة لمساعدة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، وتخفيف عبء الدَّين عن كاهلها، أطلق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في عام 1996م "مبادرة البلدان الفقيرة المثقَلة بالديون"، وصدَّقت عليها 180 دولة.

وكان للمبادرة هدفان رئيسان:
الأول: هو تخليص هذه البلدان من عبء الدَّين.

والثاني: هو حضها على الإصلاح الاقتصادي، والتنمية البشرية، وتخفيض الفقر.

ويحدث تخفيف الديون على مرحلتين، فعند اتخاذ القرار بتطبيق إستراتيجية اختزال الفقر يحصل البلد على تخفيف من عبء خدمة الدين، وعند الانتهاء من صياغتها، وموافقة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي عليها يحصل البلد على تخفيض للدَّين بنسبة تصل إلى 90%، وقد انضمت 32 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء إلى المبادرة، منها 26 دولة ما زالت عند مرحلة اتخاذ القرار، بينما وصلت ثماني دول إلى مرحلة الانتهاء من الصياغة، وبدء التنفيذ، منها: بنين، وبوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، وموزمبيق، وتنزانيا.

وقد تكون هذه الإستراتيجية فرصة جيدة لإشراك البرلمان القومي في عملية التنمية، ولإشراك الشعب في عملية صُنع القرار التنموي، وفي الوقت نفسه هي فرصة جيدة لتقوية دور البرلمان في دعم الحُكْم الجيد، والتحول الديمقراطي في الدولة.

إلا أنه نظرًا لضعف وعي أعضاء البرلمان في الكثير من الدول النامية بإستراتيجية اختزال الفقر، فقد تأخر انخراطُهم في مرحلة تصميم الإستراتيجية، فجاءت مشاركتهم متأخرة بعد أن تمت صياغة الإستراتيجية بالفعل، ومن هنا اقتصر دورهم على مجرد الرقابة على تنفيذ الإستراتيجية؛ لذا برزت أهمية زيادة وعي البرلمانيين بالإستراتيجية، وبأهمية دورهم فيها، كما وتبرز خطورة تأخر إشراك البرلمان في وضع الإستراتيجية من اضطراره لتخصيص المزيد من الجهد والوقت والموارد، والتي غالبًا ما يفتقر إليها في الدول النامية، لدراسة بنود الإستراتيجية، ومناقشة بنودها، مما يضع على كاهله عبئًا مضاعفًا، بينما اشتراكه في صياغتها منذ البداية كان يوفر عليه هذه المشقة[35].

وقد واجهت إستراتيجيات اختزال الفقر العديد من الانتقادات؛ فمن ناحية أولى ورغم التأكيد على أن الإستراتيجية تُعَد ذاتية الصياغة، تضعها كل دولة وفقًا لأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، ووفقًا لرؤية فقرائها لأسباب فقرهم، والطرق المثلى لمواجهته، والقضاء عليه، إلا أن اشتراط موافقة المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) على الإستراتيجية قبل تنفيذها يثير الشكوك حول دور هذه المؤسسات، ومدى تدخلها في عملية صياغة وتنفيذ الإستراتيجية، ومن ناحية ثانية أثبتت العديد من الدراسات إغفال أغلب الإستراتيجيات التي تقدمت بها الدول للعديد من القضايا التي تعد هامة لتحقيق التنمية المستدامة، فقد أغفلت دور المرأة، وإدارة البيئة، وتحليل الآثار الاجتماعية للإصلاح الاقتصادي، وتبدو أهمية التركيز على دور البيئة وحسن إدارة البيئة Environ ment Managementلعلاقاتها القوية باختزال الفقر؛ حيث رأى العديد أن حالة الفقر التي تشهدها إفريقيا تتطلب الانشغال بمحاربة الفقر أولاً، ثم الانشغال في مرحلة لاحقة بقضية مثل: قضية (البيئة)، إلا أن الحديث مردود عليه؛ فالنمو الاقتصادي يعتمد على الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، كما تؤثر العوامل البيئية على صحة الأفراد، وتهدد الكوارث الطبيعية طريق التنمية التي تنتهجه الدول، ومن هنا لا تصبح قضية إدارة البيئة قضية (رفاهة) تشغل بال الأغنياء فقط في الدول الصناعية، بل والفقراء في الدول النامية، إلا أن هذا لا يعني الاهتمام بهدف حماية البيئة على حساب هدف اختزال الفقر، فتحويل منطقة ما إلى منطقة محمية طبيعية يجب ألا يكون على حساب أهمية هذه المنطقة للفقراء، ولدورها المحتمل في اختزال فقرهم، بل يخضع الأمر إلى تحليل للربح والخسارة، وللمنافع والأضرار[36].

على أية حال، يعد نجاح الإستراتيجية في تحقيق أهدافها مرهونًا بالقيام بالعديد من الإصلاحات السياسية المتزامنة معها؛ فقد تكون الإستراتيجية جيدة الصياغة، تتناول بنودها كاملة أوجه وأبعاد الفقر الذي يعاني منه المواطنون، ولكن قد لا يتم تنفيذ هذه البنود؛ فالمراجعة الدورية لتنفيذ السلطة التنفيذية لبنود الإستراتيجية تتطلب وجود قدر من الشفافية والمحاسبية قد لا تتوافر في الدول النامية، كما تتطلب تفعيل دور المجتمع المدني، وتقوية دور السلطة التشريعية على حساب السلطة التنفيذية، وهو ما قد لا يتوافر أيضًا في كثير من الدول الإفريقية.

والجدية والنجاح في إدخال هذه الإصلاحات هي وحدها الكفيلة بتحديد ما إذا كان تطبيق الإستراتيجية سيأتي بالجديد الذي يكفل للدول الإفريقية الخروج من مأزقها، وتحقيق الأهداف المرجو تحقيقها من الألفية الجديدة، وإما أنها تصبح تكرارًا للتجارب السابقة نفسها، ولكن هذه المرة تحت مسمى جديد لا يثير رفض الشعوب ومعارضتها.

المصدر: مجلة قراءات إفريقية - العدد الثاني - شعبان 1426هـ / سبتمبر 2005


[1] وهي: بتسوانا، وتونس، والجزائر، وليبيا، وجنوب إفريقيا، وجيبوتي، والرأس الأخضر، وناميبيا، وموريشيوس، والمغرب، ومصر، وغانا، والجابون، وسيشل.
[2] تقرير التنمية البشرية لعام 2003م، "أهداف التنمية للألفية: تعاهد بين الأمم لإنهاء الفاقة البشرية"، نيويورك، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2003م، ص 378.
[3] لمزيد من التفصيل عن هذه؛ انظر: the UNDP the eight millennium development goals" in:www.africa2015.org/poverty_hiv_aids.html"
[4] Shaohus chen. martin ravallion " how did the world s poorest fare in the 1990 " world bank policy re- search working paper. No. 2409. Washington D.C world banl.2000.
[5] World development report. New york. United nations development program. 2000.
[6] تقرير التنمية البشرية للعام 2003، ص 289.
[7] Gary moser and toshihiro ichida. " economic growth and poverty reduchion in sub- Saharan Africa ". Washington D.C.. international monetary fund. IMF working paper. August 2001.p.5.
[8] The world bank. Sourcebook for poverty reduction Washington D.C.. june 2000. Overview section.
[9] لمزيد من التفاصيل عن مفهوم التمكين وعلاقته باختزال الفقر؛ انظر: أماني مسعود الحديني، "التمكين والحُكم الشراكي: رؤية نقدية لاقترابي محاربة الفقر في مصر"، مركز دراسات وبحوث الدول النامية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2000 م.
[10] لمزيد من التفاصيل عن العلاقة بين تجاهل مطالب الفقراء، وحالة الاغتراب التي يشعرون بها، والتي تدفعهم إلى اللجوء إلى العنف في مواجهة الدولة؛ انظر: George werner "conversations about poverty in Africa". The perspective. Atlanta Georgia. july 25.2002 in: www.theperspective.org
[11] Braathen. einar. And morten boes. And gjermund saether (eds.). ethnicity kills? The politics of war. Peace and ethnicity in sub- Saharan Africa. New york. Macmillam press ltd. 2000.
[12] Thelma awori. "progress against poverty in Africa". United nations development program. New york.1998.p.27
[13] Awori. Op.cit.27.
[14] عمرو موسى تصريح حول أزمة الديون الإفريقية، الجزائر، 9/7/1999 م، وزارة الخارجية المصرية، www.mfa.gov.eg
[15] أحمد ماهر، بيان مصر أمام جلسة الحوار رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن النيباد، نيويورك 16/9/2003م، في موقع وزارة الخارجية المصرية:/ www.mfa.gov.eg
[16] Mubarak at NEPAN conference: developed countries should help ease debt burdens of African nations".egypt ragional. Politica. 2 september 2002 in: www.arabicnews.com
[17] Boutros- ghali. " the marginalization of Africa". The Mediterranean quarterly. http:// users.erols.com/mqmq/ghali.htm
[18] تقرير التنمية البشرية للعام 2003، مرجع سبق ذكره، ص 96.
[19] Awori. Op.cit.26
[20] Leautier. Frannie A.parliaments and poverty: building the capacity to tackli the problems. Washington D.G.. the parliamentarian. Issue TWO. 2002. P 179.
[21] Hubli. K.S A.P Mandaville. Parliamentarian and the PRSP process.pp.3-4in:**
[22] Op.cit.182 Leautier
[23] Jan Bog.kenneth green and others. " environment in poverty reduction startegies and poverty reduction support credits". Washington D.G.. The world bank. The world bank environment. Paper no. 102. No. vember 2004. P. 36.
[24] A work guide on poverty deduction and parliament for Ghana committees. Workshop retreats of the finance public accounts committees. The Ghana-canada parliamentary support project. Ghana. Accra. Fobruary.2000.p.12.
[25] تقرير التنمية البشرية للعام 2003م، مرجع سبق ذكره، ص4.
[26] انظر: أماني مسعود، مرجع سابق.
[27] Hubli. Op.cit.11.
[28] Awori. Op.cit.51-52
[29] A work guide… Op.cit.p.8-10.17.
[30] Hubli. Op.cit.p.19..
[31] Ibid.p.6.
[32] Stapenhurst. Rick.main report.plenary sassion II:Issue-based approaches as capacity building startegies. Breakout sassion A: strengthening parliaments capacity through the poverty reduction strategy process. Con-ference report:A politicy didlogue on legislative development. Palais d Egmont. Brussels.20-22 nov..2002.
[33] Gordon brown " we need Irreversiple progress in tackling world poverty". The Independebt. June 1.2004 in: www.globalpolicy.com
[34] Dominique Hounkonnou." New partnership for poverty alleviation in africa: learning fromdynamics". The international Workshop on assessing the impact of agricultural research on poverty alleviation. Costa rica. 14-16 september 1999.p.4-5.
[35] Stapenhurst.po.cit.
[36] Executive summary. Conferebce repot: A politicy didlogue on legislative development. Palais d Egmont. Brussels.20-22 nov..2002