يسلط إعدام جمهورية ولاية الفقيه في إيران عشرين معارضاً سنياً، الضوء على وضع السنة في هذا البلد الذي كان قلعة من قلاع الإسلام حتى نهاية القرن العاشر الهجري، حيث عملت الدولة الصفوية على تشييع أهله، فتحول في وقت قصير إلى بلد شيعي، يدين غالبية أهله بمذهب الإمامية الاثنا عشرية.
- إعدام داعية
ذكر موقع "فريدم ماسنجر"، المهتم بمتابعة انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، أن السلطات أعدمت 20 سنياً في سجن رجائي شهر بمدينة كرج بمحافظة البرز غربي العاصمة طهران، الثلاثاء 2016/8/2، ولا يزال 17 سجيناً سنياً آخرين في انتظار مصيرهم.
وفي ظل حصار القوات الأمنية الخاصة والشرطة للسجن الذي تمت فيه عملية الإعدام قامت بنقل السجناء السنة الآخرين المحكوم عليهم بالإعدام إلى مكان مجهول، وهناك خشية من تنفيذ الإعدام بحقهم.
ومن أبرز الذين تم إعدامهم الداعية شهرام أحمدي.
"سوران بيارة"، هكذا طلب أن نسميه في التقرير، سني من كردستان إيران، عاش رحلة طويلة في سجون المخبرات الإيرانية، وعاصر أحمدي في فترة من الفترات في سجنه، يقول نقلاً عنه: "عام 2009 أطلقت الأجهزة الأمنية النار عليه وأصابته بعدة أعيرة نارية في ظهره وألقي القبض عليه، ورغم إصابته ونزفه فإن رجال الأمن انهالوا عليه بالضرب حتى كسروا أنفه، ثم أودع سجن رجائي شهر في مدينة كرج".
يضيف بيارة: "أحمدي تعرض لمعاملة قاسية في سجنه، وخضع لجلسات تعذيب ممنهجة، ووضع في زنزانة انفرادية، وفقد كليته بسبب التعذيب، ولم يسمح له بالعلاج خارج السجن، رغم وجود تقرير طبي يؤكد حاجته إلى ذلك".
في سبتمبر/أيلول 2012 حوكم أمام محكمة الثورة، وخلال خمس دقائق أصدر القاضي محمد مقيسة بحقه حكماً بالإعدام، رافضاً حضور محام للدفاع عنه في جلسة المحاكمة، وجاء الحكم مبرراً بتهمة (محاربة الله ورسوله).
من جهتها ألغت المحكمة العليا حكم الإعدام الصادر بحقه في شهر يوليو/تموز 2015، وبضغط من الحرس الثوري أعيدت محاكمته مرة أخرى في المحكمة نفسها، وأمام القاضي ذاته، ليصدر حكم الإعدام عليه مرة ثانية، وقد أبلغه محاميه أن المحكمة العليا أيدت حكم الإعدام في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وأرسلت أوراق قضيته لمحكمة تنفيذ الأحكام، التابع لمحكمة الثورة.
- تاريخ السنة في إيران
تذكر المراجع التاريخية أنّ إيران كانت دولة سنّية حتّى القرن العاشر الهجري، وفي الفترة التي كانت فيها على عقيدة أهل السنة والجماعة، قدّمت المئات بل الآلاف من الفقهاء والمحدّثين والمؤرّخين والمفسّرين والعلماء، في كلّ فنّ وعلم، ويكفي دليلاً على ذلك أنّ أصحاب الكتب الستّة كلّهم إيرانيّون أو من الثقافة الإيرانيّة، آنذاك. إلى أن تشيّعت البلد بحكم الصفويون لها، فكأنّها مُسِخت مسخاً كاملاً، وأصبحت بؤرة اصطدام، ومركز مؤامرات على الإسلام وأهله، ولذا قال فرديناند سفير ملك النمسا: "لولا الصفويّون في إيران لكنّا نقرأ القرآن اليوم كالجزائريين".
وكان ذلك سبباً في إخلاء المدن الكبرى التي كانت مراكز للعلم والفقه الإسلامي في العالم، كتبريز وأصفهان والريّ، الواقعة في جنوب طهران العاصمة وأصبحت جزءاً منها، وكان ذلك سبباً لإخلائها من أهل السنة الذين إمّا قتلوا أو استشهدوا أو تشيّعوا جبراً وإكراهاً، أو انسحبوا إلى المناطق الجبليّة التي يصعب الوصول إليها، فأصبحوا يقطنون المناطق الحدوديّة الجبليّة كبلوشستان وكردستان وحاشية إيران من أطرافها الأربعة، ليصبحوا بعد ذلك على هامش الحياة السياسيّة الإيرانيّة بسبب استمرار العداء الطائفي والقومي لهم.
يذكر أنّ أهل السنة في إيران إلى يومنا هذا كلّهم ليسوا من الفرس، ويسكنون في المناطق الحدوديّة في أطراف إيران الأربعة، حيث يسكن الأكراد في غرب إيران على الحدود العراقية والتركيّة، ويسكن التركمان في شمالي إيران على الحدود التركمانيّة، كما أنّ العرب يسكنون في حاشية الخليج العربي، ويسكن البلوش في الجنوب الشرقي لإيران على الحدود الباكستانيّة الأفغانيّة، وفي كلّ مدينة إيرانيّة عدد لا بأس به من السنّة، أي بعشرات الآلاف على أقلّ تقدير.
وأمّا عن عددهم في إيران فلا توجد إحصائيّات رسميّة، إلاّ أنّ العدد التقريبي هو بين ربع سكّانها وثلثهم.
- مساهمة السنة في الثورة الإيرانية
ينحدر أهل السنة في إيران- كما أُشير من قبل- من شعوب غير فارسيّة، ولذلك فقد كانوا في ظلّ النظام الشاهنشاهي السابق في حال لا يحسدون عليها، فكانوا مواطنين من الدرجة الثانية؛ أوّلاً بسبب بُعدهم عن المدن الكبرى والعاصمة، ثمّ بسبب اعتقادهم المخالف للفرس الشيعة، لكن النظام البهلوي كان علمانيّاً لا دينيّاً، فكان تعامله مع المذاهب والأديان على حدّ سواء أو بنفس المستوى من الاحترام، لكن قيادات السنة كانت تطمح إلى نظام إسلامي كما هو سائد في تلك الحقبة ضمن ثقافة المنطقة، ومن هذا المنطلق أسهم السنة في الثورة على نظام الشاه.
"الخليج أونلاين" تحدث إلى أحد قيادات السنة الأكراد، الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، وهو من مرافقي المرجع السني الشيخ أحمد مفتي زادة، الذي ساند ثورة الخميني على الشاه، ثم قضى ردحاً من حياته في سجون الثورة الخمينية، ليطلق سراحه ويموت بعد أيام.
يقول مصدرنا متحدثاً عن مساهمة سنة إيران في الثورة: "بسبب الظلم والجور الواقع على الأمة الإيرانية كان من الطبيعي أن يثور الشعب ضد جلاديه، وكان الخميني آنذاك رمزاً لحركة المقاومة الشعبية، وعلماء السنة ساندوا الخميني في دعوته وثورته تلك من أجل إقامة نظام إسلامي قائم على العدل والمساواة، فكان هناك بعض العلماء والمشايخ من أهل السنّة قاموا بمخالفة الشاه؛ كالشيخ أحمد مفتي زادة، وآخرون، وكان الشيخ رحمه الله على اتصال بالخميني عندما كان في النجف في جنوب العراق، وكان بينهما مراسلات ووعود خاصة بأهل السنة في حال انتصار الثورة، وعلى أساسه ساند السنة الثورة؛ وبشر مفتي زادة بالخلاص من خلالها، وقد شارك السنة في المظاهرات والثورة الشعبية التي جابت الشوارع ضد النظام البهلوي وقدموا التضحيات في سبيلها".
- السنة بعد انتصار الثورة
وتابع مصدرنا حديثه قائلاً: "عندما رجع الخميني إلى إيران منتصراً كان الشيخ أحمد مفتي زادة في مقدمة مستقبليه، وألقى الخميني خطاباً في الجماهير المحتشدة، وأعلن فيه انتهاء النظام الشاهنشاهي وإقامة الحكم الإسلامي، كان الرجل الثاني الذي خاطب الجماهير من بعده هو الشيخ مفتي زادة حيث حث الجماهير على التمسك بالنظام الإسلامي ونبذ الطائفية، وفي تلك الخطبة انطلقت شرارة النكران لدور أهل السنة حيث أسدل الستار على الشيخ زادة أثناء إلقائه خطبته ومنع من مواجهة الجماهير، وبالرغم من ذلك استمر الشيخ في مساندة الثورة، حيث كان يبشر الناس بأن النظام الإسلامي سيقيم العدل ولن يظلم في ظله فرد أو جماعة".
واستدرك: "عندما قررت الثورة إجراء استفتاء على الدستور حول ما إذا كان الشعب يريد الجمهورية الإسلامية أم لا؟ صوت السنة إلى جانب الحكم والنظام الإسلامي".
- دستور شيعي
يقول الشيخ القيادي السني الإيراني: "بدأت مرحلة وضع الدستور من قبل البرلمان المنتخب من الشعب الإيراني وشارك الشيخ أحمد مفتي زادة، وأبرز رموز أهل السنة في لجنة الصياغة إلى أن وصلوا إلى المادة (13) التي تقول: "إن دين الدولة الرسمي الإسلام والشيعة الاثنا عشرية"، فحاول الشيخ زادة بكل جهده أن يقنع (آية الله) البهشتي وخامنئي وغيرهما بالعدول عن هذه الفقرة حفاظاً على وحدة المسلمين، لأن الدستور في هذه الحالة يحصر الإسلام في مذهب الاثنا عشرية، لكن محاولاته لم تلق آذاناً صاغية، فتوجه إلى مسجد "حسينية إرشاد"، وألقى فيها كلمة بين فيها أن البعض يستهترون بدماء آلاف الشهداء، ويدخلون البلاد في دائرة ضيقة من المذهبية المفرقة للصفوف، فكتبت صحف الثورة في صباح اليوم التالي بأن أحمد مفتي زادة أصبح من أعداء الثورة لأنه تكلم ضد دستور البلاد".
وحول هذه النقطة ينقل الشيخ عبد الرحيم البلوشي، وهو أبرز معارض سني إيراني، ما دار بين مفتي زادة والخميني في بيته فيقول: "كنت حاضراً لما اعترض مفتي زادة رحمه اللـه على الخميني في بيته بقم قائلاً له: "يا خميني، أنت وعدتني بجمهوريّة إسلاميّة، لكنّك أتيت بجمهوريّة شيعيّة صفويّة، وإن كانت عقيدتي لا تسمح لي أن أرفع السلاح في وجهك، لكنّي سوف أحاربك سياسيّاً"، فهدّده الخميني قائلاً له: "سوف تلجأ إلى الجبال التي ذهب إليها غيرك" (في إشارة إلى الشيخ عزّ الدين الحسيني الصوفيّ الذي تعاون مع الشيوعيين وذهب إلى الجبال)، فأجابه أحمد مفتي زادة الذي كان يعتصر ألماً لدعمه إيّاه قبل الثورة ونشره نشراته وخطبه بين الشعب الكردي السنّي، أجاب الخميني بقوله: "سوف أبقى في البلد".
- تشكيل مجلس الشورى المركزي لأهل السنة (شمس)
مصدرنا استرسل في الحديث قائلاً: "في سبيل توحيد صفوف أهل السنة قرر الشيخ زادة وإخوانه تشكيل مجلس شورى لأهل السنة عرف اختصاراً بالشمس تخفيفاً لعبارة (الشورى المركزي للسنّة)، فأرسل رسائل إلى وسائل الإعلام في كافة المناطق للحضور إلى طهران في المكان والزمان المحددين، وأعلم الحكومة بالمؤتمر، فحضر مندوبان من وزارة الداخلية؛ كل ذلك لكي لا يقال إن هناك مؤامرة ضد الثورة، فعقد المجلس أعماله على مدى يومين كاملين شرح خلاله الشيخ جهوده الإصلاحية في كلمة استغرقت أربع ساعات"، مضيفاً: "انتخب المجلس هيئة رئاسية من علماء السنة يرأسها الشيخ زادة، وكان من أعضائها العالم الكردي الشهير الشهيد ناصر سبحاني، الذي أعدمه النظام فيما بعد، ثم رفع المشاركون بياناً إلى الحكومة طالبوا فيه بتعديل الدستور والاهتمام بمناطق أهل السنة، واعتبار مذهبهم مذهباً معتبراً، ثم انصرف المجلس على أن ينعقد بعد ستة أشهر فاجتمعوا ثانية وقدموا مطالبهم للحكومة مجدداً، ولكن دون جدوى، فقرر المجلس عقد مؤتمر موسع للسنة في إيران يضم (400) من علماء السنة والمهتمين بقضاياهم، وبالفعل عقد المؤتمر الموسع، حيث انتقد الشيخ أحمد مفتي زادة الثورة الإيرانية كما انتقد علي خامنئي، وهذا الأمر لم يرق لأجهزة المخابرات ولرموز النظام، فشنت حملة اعتقالات شملت الشيخ أحمد مفتي زادة الذي أودع في زنزانة انفرادية لا تتوافر فيها أدنى المتطلبات الإنسانية، وهو ما أدى إلى إصابته بأمراض خطيرة، وبالرغم من ظروف اعتقاله الصعبة ظل صامداً قوي الهمة، فكان يوجه أتباعه بكتابة أبيات الشعر التي تحثهم على الاهتمام بأمور الأمة، وملازمة التقوى والزهد في الدنيا".
ويختم الشيخ الذي رافق زادة إلى وفاته حديثه بالقول: "بقي في السجن عشر سنوات كان يعاني فيها من مختلف الأمراض، ولما تيقن النظام الإيراني من قرب نهايته أطلق سراحه ليموت بعد ذلك بعدة أسابيع، وصفه من يعرفوه بعد خروجه من السجن بأنه عبارة عن هيكل عظمي".
وهكذا طويت صفحة مجاهد من أهل السنة ساند الثورة الإيرانية، ولتفتح بعد ذلك صفحة جديدة من المعاناة التي ذهب ضحيتها أعداد غفيرة من علماء السنة الذين تم إعدامهم بتهمة التآمر على الثورة، وإلى يومنا هذا تمارس السلطات الإيرانية أبشع صور التنكيل بحق السنة، ويكاد لا ينتهي عام دون أن يعلن عن إعدام جموع غفيرة من الشباب السني، لا تخلو من علماء ودعاة.
No comments:
Post a Comment